رحلة الباخرة كيان سي
تبدأ القصة في سنة 1970 مع بداية المدينة في أحراق كل النفايات الناتجة عن الأنشطة التجارية والصناعية والزراعية والسكانية حيث كانت المحارق ترسل الرماد الناتج من عمليات الحرق لتدفن في مكب النفايات في ولاية نيوجرسي ولكن مع عام 1981 رفضت نيوجرسي استقبال ذلك الرماد لأنهم قد تأكدوا بأن ذلك الرماد يحتوي على كميات كبيرة من المواد السامة مثل الزرنيخ والكادميوم والرصاص والزئبق ومادة الديوكسين، وغيرها من السموم والتي تصنف على أنها نفايات خطرة جداً من حيث تأثيراتها على الأفراد والبيئة المحيطة من أحياء برية وبحرية.
المشكلة تفاقمت أكثر في مدينة فيلادلفيا عندما رفضت ستة ولايات أمريكية أخرى أستقبال تلك الشحنات من الرماد السام لردمها في مكباتها. وكان السؤال المحير لديهم “ماذا سيفعلون بـ 180000 طن من النفايات على شكل رماد سام من المحارق كل سنة؟” فكانت الإجابة ببساطة هو نقلها بحرا بعيداً إلى بلدان ذات معايير بيئية أقل صرامة، فعرض مقاول محلي نقل تلك الشحنات السامة إلى منطقة الكريبي وكانت سفينة كيان سي (Khian Sea) أول تلك الشحنات وهي سفينة نقل كانت مسجلة في ليبيريا في الساحل الغربي لأفريقيا.
فكانت أول المحاولات أنزال تلك الحمولة في جزر البهاما فمنعت من ذلك، وعلى مدى الأشهر 14 التي تليها منعت السفينة من الدخول وأنزال حمولتها في جمهورية الدومينيكان وهندوراس وبنما، وبرمودا، غينيا بيساو (في غرب أفريقيا)، وجزر الأنتيل الهولندية.
وأخيرا في أواخر عام 1987، أصدرت الحكومة الهايتية على تصريح يسمح باستيراد “الأسمدة”، فألقى طاقم السفينة 4000 طن من الرماد على الشاطئ بالقرب من مدينة غوناييف (Gonaives) الهايتية بحجة أنه سماد. حينها نبهت منظمة السلام الأخضر الحكومة المحلية أن ذلك السماد لم يكن إلا رماد سام من المحارق مدن أمريكية فالغاء المسؤولين الهايتيين التصريح وأمروا بإرجاع تلك الشحنات إلى السفينة ومنها إلى المصدر، ولكن السفينة قد تسللت وهربت من الميناء خلال الليل تاركه وراءها كومة كبيرة من الرماد المتناثر فتم نقل بعض من ذلك الرماد داخليا ودفن ولكن معظم الكمية لا زالت على الشاطيء البحر، البعض منها تناثر وأنتشر ببطء بسبب الرياح والبعض من تلك الكميات تسلل للبحر وأختلط به.
الصور: الصحف الأمريكية تتكلم عن السفينة كيان سي
بعد أن غادرت هايتي، زارت السفينة كيان سي السنغال والمغرب ويوغوسلافيا، وسري لانكا، وسنغافورة تبحث عن مكان لتفريغ حمولتها السامة. كما تجولت المحيطات تبحث عن الميناء ترسى فيه وتفرغ حمولتها، وللتمويه، غيرت السفينة كيان سي أسمها إلى فيليسيا (Felicia) ثم إلى بليكانوا (Pelicano) وهذا كله في سبيل تضليل الجميع، حتى من تسجيلها الرسمي تم نقله من ليبيريا الى جزر البهاما الى هندوراس في محاولة لإخفاء هويتها الحقيقية، ولكن لا احد كان يريدها أو يريد حمولتها السامة. خلال سنتين تغير أسمها ثلاث مرات وتجولت في أربع قارات وزارت 11 دولة والحمولة على متنها حتى أختفت فجاءة كامل الحمولة من الرماد السام في المحيط الهندي مابين سنغافورة وسريلانكا.
وعندما سئل عليها أفراد الطاقم كان هناك “لا تعليق” فقط أن كامل الحمولة أختفت. ويعتقد الجميع بأن تلك الحمولة تم التخلص منها برميها في المحيط الهندي بعيدا عن اليابسة حتى لا يتم كشفها. وقد تأكد ذلك بعد عدة سنوات حين أعترف كابتن السفينة ذات الأسماء المتعددة كيان سي أو فيليسيا أو بليكانوا أمام المحكمة بأن الرماد السام قد تم إلقاءه في المحيط الهندي والأطلسي.
الصورة: السفينة كيان سي (Khian Sea)
الشهرة السيئة لهذه السفينة ورحلتها وما فعلته كانت أحدى الأسباب التي أجبرت المجتمع الدولي للحركة ولعقد إتفاقية عالمية بخصوص الحد ومنع نقل النفايات السامة الخطيرة من دول الغنية إلى الدول الفقيرة في العالم الثالث. تلك الجهود تظافرت وأجبرت العديد على التوقيع على إتفاقية بازل بخصوص تنظيم نقل النفايات السامة بين الدول.
هذه قصة واحدة من عدة قصص تثبت الأختراقات التي تحدث من دول الغنية إتجاه الدول الفقيرة والتي وثقتها منظمة السلام الأخضر وهي تثبت كذلك حجم التلاعب الذي تقوم به بعض الشركات المتعاملة مع النفايات السامة من تغيير أسماء بواخر وتغيير نوعية الشحنات وغيرها من الأمور التي تحدث باستمرار، ففي وجود قوة المال كل الصعاب ستتلاشي وخاصة في دول يفتقر السكان فيها إلى أبسط متطلبات الحياة.
References
The toxic ships: The Italian hub, the Mediterranean area and Africa. A Greenpeace report. June 2010
اترك تعليقاً