Skip to main content

إدارة النفايات الطبية: تعاون القطاع الخاص والعام أمر مهم للنهوض بالبلد في هذا المجال

Medical Waste Management: Cooperation of the Private and the General Sectors is Important for the Country’s Advancement in this Field

Medical Waste Management: Cooperation of the Private and the General Sectors is Important for the Country’s Advancement in this Field

المشاكل التي يعاني منها القطاع العام كثيرة جدا، سو في الدول الغنية أو الدول الفقيرة بدون أستثناء، وبالطبع الحال أسو في الدول الفقيرة والنامية. فالقطاع العام تربطة أحيانا البيروقراطية البطيئة في تنفيذ المشاريع والمهام المناطة إليه، أو تقيده قلة الميزانيات المالية المخصصة الذي تأتي بنتائج وجودة عمل متدنية، أو بسبب ضعف إدارة المسئولين بالدولة الذين يتم تعينهم بالمحاباة والجهوية وليست بالكفاءات والخبرة العلمية كما يحدث في غالبية الدول النامية، أو بسبب أنعدام خبرة بعض القيادات والتي تأتي أحكامهم وسوء إدارتهم بأخطاء جسيمة تتحمل نتائجها وخسائرها في النهاية الدولة.

والقصص كثيرة في بلادنا عن سوء الإدارات والقيادات التي أوصلت مشاريع ضخمة في القطاع العام خصصت لها وأنفقت عليها الدولة ميزانيات مالية بأرقام مكوكية كانت في أمس الحاجة لديها إلى هاوية الأفلاس والدمار الكامل. فوصلت تلك المشاريع (بمختلف أنواعها، مشاريع صناعية أو زراعية وغيرها) لنتائج كارثية وإلى مرحلة لم يعد لديهم إمكانية حتى لإعطاء العاملين مرتباتهم الشهرية.

العديد من الأسباب مجتمعة أو البعض منها قد لا تمكن القطاع العام من العمل بصورة جيدة فلا يستطيع دفع مسيرة التقدم للبلد إلى الأمام فيحتاج لدعم كبير فيتوجه للقطاع الخاص، والذي يعتبر أكثر مرونة في التعامل وأسرع في إنجاز المهام، وربما التنافس بين شركات القطاع الخاص السبب في وجود جودة عمل لا يستطيع القطاع الخاص مجاراتها، وأقصد هنا بالتنافس الشريف في تقديم الخذمات وليس التنافس في تقديم الرشوة وشراء الذمم للحصول على عطاءات ومشاريع.

إدارة النفايات الطبية: تعاون القطاع الخاص والعام أمر مهم للنهوض بالبلد في هذا المجال

من خلال خبرتي في إدارة النفايات الطبية، وما شاهدته بنفسي من تعامل المستشفيات (المنتجة للنفايات الطبية) وتجارب البلديات المختلفة (المسئولة عن جمع ونقل والتخلص النفايات الطبية) في القطاع العام، وكذلك من خلال نتائج وصلت إليها من خلال مهام وأعمال كلفت بها للتفتيش أو لتقديم الأستشارات العلمية في القطاع العام للدولة الليبية كان لها علاقة بإدارة النفايات الطبية، والتي أوصلتني إلى نتيجة رئيسية وأستنتاج وحيد وهو أن هناك فشل كبير للقطاع العام في مجال إدارة النفايات الطبية، وأن هذا القطاع نهائيا غير قادر على القيام بمهام المناطة عليه في هذا المجال البيئي الحساس والذي يمس صحة الناس والمجتمع ككل. وسوف أشرح لكم لماذا وصلت لهذه النتيجة النهائية.

العديد من المرات كلفت بالتفتيش من قبل الهيئة العامة للبيئة على محطات معالجة نفايات طبية بواسطة استعمال محارق بأحجام كبيرة في عدة مستشفيات كبرى (معظمها كانت تحتوي حجرتين للحرق، حجرة حرق نفايات طبية وأخرى لحرق الأبخرة المتصاعدة) ، تلك المحارق كانت مصنعة من قبل شركات أوروبية بجودة عالية وقد كلفت الدولة الليبية ميزانيات مالية كبيرة لأستجلابها وتركيبها وبناء وصيانة مبناء تلك المحطات في المستشفيات وتدريب العاملين عليها.

يتم صرف مبالغ كبيرة علي تلك المحارق ولكن للأسف، وفي أحسن الأحوال، يتم تشغيلها لعدة أشهر فقط، وتتعطل بأسباب عديدة وتبقى في مكانها مهجورة لسنوات. فيتم بسبب ذلك ولعدم وجود بديل رمي النفايات الطبية الناتجة مع القمامة العامة للبلدية، ويكون الأتجاه أمام إدارة المستشفى فقط التنسيق مع شركة النظافة العامة التي تأتي بسياراتها الكابسة لنقل النفايات الطبية أو تأتي بالشاحنات المفتوحة والعمالة غير المؤهلة لنقل النفايات البيولوجية الخطيرة.

أيضا في عمل إداري أخر، تم تكليفي بالأشراف على لجنة فنية للنظر في أربعة محارق ذات حجم كبير للنفايات الطبية تابعة لمركز صحي حكومي له فروع في كل من طرابلس وبنغازي ومصراته وسبها. وقد كلفت تلك المحارق الدولة الليبية مبالغ طائلة لشراءها، وللأسف الأربعة محارق لم تشتغل منهم ولا محرقة واحدة حتى وقتنا الحالي، بالرعم من أنها كانت تشتغل بصورة جيدة حين تركيبها حتى تحولت بفعل الزمن لخردة.

إدارة النفايات الطبية: تعاون القطاع الخاص والعام أمر مهم للنهوض بالبلد في هذا المجال
سيارات شاحنة مغلقة ومبردة لنقل النفايات الطبية

من خلال الزيارات التي قمت بها ومن خلال الأعمال التي كلفت بها كاستشاري في هذا المجال، سأوجز لكم بعض الأسباب من وراء تعطل وفساد محطات معالجة النفايات الطبية بداخل المستشفيات بالقطاع العام:

السبب الأول

العاملين في محطات المعالجة بالقطاع العام هم في الأساس موظفين في الدولة ومرتباتهم لن تتأثر سوء اشتغلت المحطة أم لا. أي بمعنى أخر، أنه لا توجد حوافز مالية إضافية للعاملين في تلك المحطات للمحافظة عليها، على الرغم من خطورة هذا العمل، فالمرتبات سيتقضونها سوء أشتغلت المحطة أم لا. والأفضل لبعض الموظفين أن تبقى المحطة متعطلة وخارج العمل لأن هذا أكثر راحة واقل مشقة وخطورة.

 أما العاملين في القطاع الخاص، أذا ما تعطلت المحطة فهذا يعني ضياع مصدر الرزق الرئيسي لهم، والمرتبات التي تصرف لهم أفضل بكثير في نفس الوظيفة من القطاع العام، لهذا ترى في القطاع الخاص اهتمام كبير بصيانة محطة المعالجة والحفاظ عليها، وتجد أن هناك تعاون كبير ومتابعة من قبل الفنيين بالشركة مع الشركة المصنعة الرئيسية للجهاز وهذا التعاون الفني يزيد من عمر المحطة وديمومتها.

إدارة النفايات الطبية: تعاون القطاع الخاص والعام أمر مهم للنهوض بالبلد في هذا المجال
سيارات شاحنة مغلقة ومبردة لنقل النفايات الطبية

السبب الثاني

في القطاع العام، لا يوجد أهتمام فني ومتابعة دقيقة لمشاكل المحطة التقنية، فلا يوجد تغيير لقطع الغيار والتي يجب أستبدالها في جدول زمني محدد، ربما هذا يرجع إلى عدم وجود كفاءات مؤهلة للتعامل الفني الجيد مع المحطة، وهنا نحن نتكلم على جهاز يتعامل مع الحرارة العالية في حالة المحارق أو جهاز يتعامل مع البخار الساخن والضغط الجوي في حالة الأوتوكليف.

عندما سألت رئيس الفنيين بأحد الشركات الكبري الفرنسية لصناعة المحارق وهو كوري الجنسية في معرض يضم شركات عالمية مصنعة، وجهت لي فيه دعوة أقامته السفارة الفرنسية في الفندق الكبير في طرابلس منذ سنوات ماضية، سألته لماذا لم تنجح تلك المحارق الخاصة بالنفايات الطبية عندنا في ليبيا على الرغم من نجاحها في العديد من دول الخليج لنفس الشركة، فأبتسم لي وقال: أنكم لا تقومون بتغيير القطع الغيار لإجهزتكم في الوقت المناسب أو لا تقومون نهائيا باستبدالها عند تعطلها، فكيف تكون النتيجة، ونحن هنا نتكلم على محارق بدراجات حرارة عالية جدا تفوق 850 درجة مئوية، وهذا بالطبع لا يجوز.

السبب الثالث

يوجد في بعض محطات المعالجة في القطاع العام أشخاص مؤهلين ومدربين للتعامل مع تلك المحطات، ولكن بسبب البيروقراطية أو الروتين الأداري في الأدارات الصحية لا ينظر في طلاباتهم لجلب قطع الغيار ومستلزمات الصيانة للمحطة في الوقت المناسب أو لا ينظرون أليهم بتاتا. لأن النفايات الطبية هي ليست من ضمن الأوليات في الطلب كالأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية الأخرى للأقسام الطبية، فلدى البعض من القيادات والمسئولين في قطاع الصحة نظرة دونية لهذه المشكلة حيث يعتبرون النفايات الطبية والتخلص منها في أخر السلم من الأهتمامات.

أما في القطاع الخاص فتجدهم يهتمون جدا بتغير قطع الغيار وصيانة المحطة باستمرار والمتابعة اليومية، حتى أن بعض الشركات بالقطاع الخاص يوجد لديها متابعة ألكترونية مباشرة من قبل الطاقم الفني بالشركة المصنعة الأم في الدول الأوروبية لكل مايدور في تلك المحطة على مدار الساعة، كمراقبة مباشرة لتفادي حدوث أخطاء وأعطال تسبب في إيقاف المحطة. (المتابعة والمراقبة المباشرة من الفنيين والمهندسين يزيد من عمر المحطة ويحسن من جودة الأداء)

إدارة النفايات الطبية: تعاون القطاع الخاص والعام أمر مهم للنهوض بالبلد في هذا المجال

السبب الرابع

أحيانا تخصص الهيئات الصحية محطة معالجة نفايات طبية لمرفق صحي ما، ويتم تسليم وتركيب المحطة لذلك المرفق الذي لا يهتم بتعيين موظفين مؤهلين للتعامل مع تلك المحطة، أو أنهم ليسو راغبين بتشغيلها نهائيا، وهذا ما أخبرني به أحد مدراء مرفق صحي في إحدى المدن الليبية عندما قام المهندس متخصص بالمحارق كان من ضمن الفريق الفني الذي ترأسته بصيانة محرقة نفايات طبية لذلك المرفق، قد أخبرني بأن السكان قرب ذلك المرفق الصحي غير راضيين على تشغيل المحطة وتشغيلها قد يسبب لي مشاكل معهم وأنا في غنى عن تلك المشاكل حينها تسألت في نفسي لمذا خسرت الدولة كل ذلك المبلغ لإستيراد تلك المحرقة وتركيبها؟.

 

إدارة النفايات الطبية: تعاون القطاع الخاص والعام أمر مهم للنهوض بالبلد في هذا المجال
سيارات شاحنة مغلقة ومبردة لنقل النفايات الطبية تستعملها أحدى الشركات الخاصة

أما بالنسبة للقطاع الخاص، وخلال تتبعنا لإدارة النفايات الطبية في ليبيا وفي مدينة طرابلس بالذات خلال السنتين الماضيتين، بحكم أنها أكثر المدن الليبية التي بها المستشفيات الكبرى والعيادات المتخصصة والمصحات الإيوائية في القطاعين الخاص والعام، فقد ظهرت عدة شركات ليبية خاصة جديدة متخصصة في جمع ونقل ومعالجة النفايات الطبية وقد أدت عمل رائع جدا، من حيث جمع النفايات الطبية في حاويات مخصصة وعليها العلامات ونقلها في شاحنات مغلقة مبردة مع معالجة سليمة لتلك النفايات بواسطة أجهزة الأوتوكليف العملاقة ذات السعات الكبيرة والتي تستطيع معالجة كميات بالأطنان في الدورة الواحدة. حاليا العديد من المرافق الصحية بالقطاع الخاص قد تعاقدت مع تلك الشركات الخاصة التي قامت بمجهود رائع في تحسين وضع إدارة النفايات الطبية في المدينة.

إدارة النفايات الطبية: تعاون القطاع الخاص والعام أمر مهم للنهوض بالبلد في هذا المجال
سيارات شحن مغلقة ومبردة تستعملها شركات ليبية حديثة لمعالجة النفايات الطبية بمدينة طرابلس

من ضمن الملاحظات والأختلاف في القطاعين الخاص والعام،  فقد لاحظنا أنه لا توجد رقابة كبيرة في القطاع العام على العاملين بمحطات المعالجة من حيث السلامة المهنية والتحكم في العدوى. أما في الجانب أخر لاحظنا أهتمام كبير بالعاملين بالمحطات المعالجة في القطاع الخاص من حيث السلامة المهنية والتحكم في العدوى فتجدهم يرتدون الملابس الوقاية الشخصية من الكمامات والقفازات وغيرها ويفعلون ذلك من أجل التنافس مع الشركات الأخرى والتي تسعى كل واحدة منهم للتفوق على الأخرى وأكتساح السوق.

إدارة النفايات الطبية: تعاون القطاع الخاص والعام أمر مهم للنهوض بالبلد في هذا المجال
محطة معالجة نفايات طبية بواسطة الأوتوكليف في إحدى الشركات الوطنية بمدينة طرابلس

تعاون القطاع الخاص مع القطاع العام أمر ضروروي جدا في إدارة النفايات الطبية، فشراء القطاع العام المتمثل في المستشفيات والمرافق الصحية بأختلاف تخصصاتها الخذمة من القطاع الخاص مثل الجمع والنقل والمعالجة والتخلص النهائي للنفايات الطبية أفضل بكثير في جودة العمل وسلامة العاملين، وأيضا حتى من الناحية الإقتصادية للدولة في تقليل المصروفات والحد من الخسائر، وأيضا في أزدهار الدولة وفتح فرص عمل جديدة إضافية للشباب.

ولكن وهذا أمر مهم جدا، يجب على الدولة مراقبة الشركات العاملة في القطاع الخاص والتي تقدم خذماتها في إدارة النفايات الطبية، وذلك لأهمية هذا الأمر ولخطورة هذا العمل من الناحية الصحية والبيئية على المجتمع ككل، وحتى لا يترك هذا المجال الخطر للعبث والأهمال والفساد، فقد قامت العديد من الدول عبر الهيئات الحكومية ووزارات البيئة والصحة بوضع إجراءات قانونية وأشتراطات فنية للراغبين في تأسيس شركة معالجة النفايات الطبية بحيث تكون منذ أنشاءها تحت المعايير القياسية والجودة الصحيحة.

غالبية المستشفيات والمرافق الصحية في الدول الغربية تقوم بشراء الخذمة من الشركات الخاصة في مجال إدارة النفايات الطبية من حيث الجمع والنقل والمعالجة والتخلص النهائي، فتلك الشركات بحكم تخصصها وكفاءة عمالها أكثر دراية في التعامل مع هذه النفايات الخطيرة. أيضا تلك الشركات لم تستطيع العمل في هذا المجال إلا بعد حصولها على إذون مزاولة هذا العمل الخطير وبعد تطبيقها لكل المعايير الصحية والبيئية الصارمة التي شرعتها الدولة، كما أنها في كل أنشطتها وأعمالها التي تقوم بها تحت رقابة أجهزة الدولة لضمان عدم الإخلال بالنظم البيئية في الدولة لسلامة المجتمع والبيئة المحيطة من خطورة النفايات الطبية.

تعليقات (4)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *