Skip to main content

الأمراض الحيوانية المنشأ مصدر قلق متزايد

خلال فصل الربيع، عندما كنت صغيراً، كنت أذهب برفقة الأسرة لتمضية يوم العطلة الإسبوعية في أحد الغابات المحيطة بالمدينة وهو ما نطلق عليه باللهجة العامية في ليبيا كلمة “الزردة”. وكانت تلك النزهة من أجمل الأشياء التي كنا كصغار ننتظرها. فكنا سعدا جدا بذلك لأننا سنخرج جميعا وسنمرح كثيرا وسنقابل الربيع وزهوره وسنستمتع بطقسه الرائع، وكانت […]

خلال فصل الربيع، عندما كنت صغيراً، كنت أذهب برفقة الأسرة لتمضية يوم العطلة الإسبوعية في أحد الغابات المحيطة بالمدينة وهو ما نطلق عليه باللهجة العامية في ليبيا كلمة “الزردة”. وكانت تلك النزهة من أجمل الأشياء التي كنا كصغار ننتظرها. فكنا سعدا جدا بذلك لأننا سنخرج جميعا وسنمرح كثيرا وسنقابل الربيع وزهوره وسنستمتع بطقسه الرائع، وكانت “الزردة” من أجمل الأشياء التي كانت الأسرة الليبية تتفنن فيها فتجد بعض العائلات لا يتركون شيء لا يجلبونه معهم، فكان يوم “الزردة” هو يوم تحرر من روتين الحياة اليومية، فالبعض كان يجلب معه سيارة صندوق مفتوحة حتى يستطيع رفع أكبر كمية من التجهيزات، فتجد الخيمة ولوازمها وأواني الطبخ بأحجام مختلفة وفرش الجلوس والكراسي والبساط والطعام والمشروبات بكميات كبيرة وغيرها من اللوازم الكثيرة بالرغم من أن معظمها ليست له ضرورة ولكن هكذا جرت العادة. فتجدنا نحن الصغار نمضي أوقات طويلة قبلها لتجهيز أنفسنا، ماذا نرفع معنا وماذا نترك، وأحيانا كثيرة تجد لدينا قائمة طويلة بتلك الأشياء التي سنجلبها معنا حتى لا ننسى شيء (ومع هذا كنا دائما ننسى في أشياء).

وكان الجميع ينهض باكرا في ذلك اليوم للذهاب إلى تلك الغابات حتى يتحصل على مكان رائع، لأنك لو تأخرت قليلاً فستجد كل الأماكن الرائعة قد حجزت. وعادة كنا نبحث عن مكان جديد بهذف التجديد فتجدنا نبحث في تلك الغابة تم الأخرى وهكذا، فهذا المكان غير لأئق بسبب ضيق المكان ولا يوجد مكان للعب كرة القدم، وهذا المكان رائع ولكن أسرة ليبية أخرى قد حجزته قبلنا وبرنامج الخصوصية للعائلات العربية والذي فرضه علينا كبار السن في العائلة يجعلنا نبحث عن مكان أخر أكثر خصوصية. وبعض الأماكن كانت رائعة ولكن وجود مانع يجعلك تبتعد كثيرا عنه وهو وجود جثت الحيوانات النافقة مرمية في أرجاء الغابة أو المتنزه.

هذه من أكثر الأشياء التي كنت في صغري أكرهها. وجود جتث الحيوانات مرمية في الغابة والذباب يحيط بها والديدان تخرج من أجسادها المتفتتة وبقايا أطراف الحيوان الممزقة من نهش الكلاب وتلك الروائح النفاذة تخرج من الأجزاء المتعفة لتملاء الغابة لمسافات كبيرة بالروائح الكريهة، رائحة كنت لا اطيقها، وكنت أتسأل دائما لماذا لا يحترمون ذلك الحيوان ويقومون بدفنه ولماذا ترمى هكذا اليس دفن الحيوان الميت أفضل من رميها. كانت هذه المناظر من أكثر المناظر المؤذية للعين وكنت أبتعد عنها بعيدا حتى لا اتقيء.

MVC-044S MVC-031S

الصور: حيوانات نافقة منتفخة خارج أحدى محطات لتربية الأبقار.

بعد كل تلك السنيين، لا زالت في الغابات والمتنزهات المحيطة بالمدينة حيوانات نافقة مرمية والحال كذلك في الطرق الترابية ما بين المزارع، ستجد على أطراف المزارع حيوانات نافقة من أغنام أو طيور أو دواجن وأحيانا كثيرة تجد حتى الأبقار والجمال على كبر حجمها مرمية على جوانب الطرق، والحال أسوء قرب محطات تربية المواشي والأبقار وحظائر الدواجن خارج المدينة، أحيانا كثيرة تتفشى بعض الجائحات للأمراض الحيوانية في الحظائر فيتم التخلص من تلك الحيوانات بأعداد ضخمة برميها في الساحات المفتوحة خلف تلك الحظائر ومعظم تلك الحيوانات يكون سبب نفوقها جراثيم تسبب في أمراض مشتركة بين الحيوان والإنسان مثل الجمرة الخبيثة (Anthrax)، السل البقري (Bovine tuberculosis)، الحمى المالطية (Brucellosis)، داء الكيسات المذنبة (Cysticercosis)، داء الحويصلات المائية (Cystic echinococcosis)، داء الكلب (Rabies) والعديد من الأمراض المعدية الأخرى. كل عوامل العدوى وحدوث المرض موجودة، فتجد مخزن العدوى وهو الحيوانات نافقة مرمية في العراء ووجود نواقل المرض المرئية مثل الحشرات والقوارض والقطط والكلاب وبعض الطيور التي تتغذي على الجيف، ونواقل مرض غير مرئية مثل الرياح.

MVC-041S MVC-056S

MVC-067S MVC-073S

الصور: أعداد ضخمة من الدواجن النافقة مرمية في أحد الوديان، سبب موتها تفشي مرض التهاب رئوي فيروسي.

هناك أكثر من 200 مرض مشترك بين الإنسان والحيوان، والبعض منها قد يحدث في الإنسان على شكل حالات فردية مثل الإصابة بداء السالمونيلا أو على شكل جماعي مثل وباء الأنفلونز الذي أصاب الآلاف في دول العالم في العقود الماضية، كما أن هذه الأمراض قد تكون ذات آثار صحية محدودة ولكنها سريعة الانتشار بين الأفراد مثل التسممات الغذائية والنزلات المعوية بينما في بعض الأمراض الأخرى قد تكون خطيرة جدا وقاتلة إذا لم تعالج في الوقت المناسب مثل داء الكلب.

MVC-016Stt

الصورة: تجمع كبير للكلاب قرب ساحة للتخلص من مخلفات الباثولوجية البيطرية بمحطة لتربية الأبقار والدواجن.

MVC-040S

الصور: أصبحت ساحة التخلص من مخلفات الدواجن نقطة هبوط لهذه الطيور المهاجرة قرب محطة لتربية الدواجن.

s

الصورة: أكوام من الدجاج الميت خارج احدى حظائر الدواجن لم يتم ردمه بالطريقة الصحيحة.

MVC-090S

الصورة: إحدى القوارض النافقة قرب محطة لتربية الحيوانات.

الأمراض الحيوانية المنشأ (Zoonotic Diseases) أصبحت مصدر قلق متزايد نظرا لعوامل متعددة:
أولا: الأمراض الحيوانية المنشأ غالبا ما تكون أمراض جديدة والمجتمعات غير مستعد وجاهزة طبيا لعملية العلاج، هذا كم حدث مع فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز ومرض جنون البقر (vCJD).

ثانيا: الأمراض الحيوانية المنشأ لا يمكن التنبؤ بها ولها تأثيرات متغيرة على صحة الإنسان والحيوان. على سبيل المثال، سلالات مختلفة من فيروسات الإنفلونزا الوبائية من حيث شدة العدوى وحدة المرض وأختلاف سلالاتها وأختلاف عوائلها مثل أنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور (H1N1, H5N1) وغيرها.

ثالثا: تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ تتزايد في أعدادها سنة بعد سنة، قرابة 65% من أعداد الأوبئة الرئيسية الأخيرة كانت من أصول حيوانية.

رابعا: بسبب زيادة التجارة العالمية بين الدول، وبسبب زيادة عدد المسافرين حول العالم، وزيادة حركة الحيوانات والتجارة بها من ماشية وأبقار ودواجن وغيرها من الحيوانات، كل هذا سبب في أنتشار الأمراض الحيوانية المنشأ وبسرعة في جميع أنحاء العالم، كما يتبين من اندلاع وتفشي الأوبئة مثل المتلازمة التنفسية الحادة (سارس) ووباء الإنفلونزا خلال السنوات الماضية.

خامسا: انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ يمكن أن يؤثر سلبا على أقتصاديات العديد من الصناعات المختلفة، في قطاع الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية وغيرها ويمكن بصفة عامة أن يهدد السلام والأستقرار الاقتصادي العالمي، فترة تفشي فيروس أنفلونزا الطيور كلفت خسائر بالمليارات وأترث في إقتصاديات بعض الدول الصناعية الكبرى مثل الصين وهونغ كونغ وسنغافورة وتايوان في تلك الفترة (2003- 2006).

بصفة عامة أزدادت أهمية الاهتمام بالأمراض ذات المنشأ الحيواني بزيادة وعي الجمهور للأخطار الصحية التي يتعرض لها الإنسان. بالإظافة للأضرار الأجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها العديد من البلدان على نحو متزايد، ولا سيما في البلدان النامية. لهذا فالدعوة ملحة للجميع للأهتمام بهذه المشكلة وتطبيق أعلى معايير السلامة عند التخلص من الحيوانات النافقة.

في البداية من الضروري إجبار أصحاب محطات التربية المواشي وحظائر الدواجن (لأنهم أكثر المنتجين للحيوانات النافقة) أن يتخلصوا من مخلفاتهم الباثولوجية البيطرية بأتباع الطرق السليمة سواء عن طريق الدفن وهو أفضل الطرق من ناحية البيئية أو عن طريق الحرق بواسطة محارق ثابتة أو محارق متنقلة مع التأكيد على استخدام المصفيات والفلاتر الخاصة للحد من الأبخرة السامة او التخلص من بقايا الحيوانات النافقة بواسط بعض الطرق الحديثة مثل طريقة الإذابة بواسطة قلوي قوي (Hydrolysis)، او غيرها من الطرق الآمنة المصرح بها في الوزارات المعنية بالدولة.

ويجب توعية المزارعين بخصوص التخلص من الحيوانات النافقة بمزارعهم بحيث لا يسببون ضرر لهم وللأخرين، ويجب توعية الأفراد في المجتمع ككل بخطورة التعامل مع الحيوانات النافقة وضرورة تبليغ أجهزة الدولة لكل من يخترق قوانينها. ويجب على الدولة سن قوانين ووضع لوائح تشريعية صارمة وعقوبات لكل من يهدد ويسبب ضرر للأخرين وتعريضهم للأمراض بسبب الأهمال أو التعمد، وايضا وضع إجراءات صارمة للسلخانات والمذابح للطرق السليمة للتخلص من بقايا الحيوانات المذبوحة.

ويجب على الدولة ومن خلال برنامج وطني للحد من أمراض الحيوانات في الدولة عن طريق تطبيق البرامج السليمة للصحة الحيوانية، من توفير الظروف المناسبة لعيش الحيوانات في الحظائر لتقليل النافق منها، وأيضا العمل على محاربة الأمراض الحيوانية منذ بدايتها ببرنامج وطني للرصد والتقصي حتى لا تتفاقم تلك الأمراض وتصبح أوبئة تدمر أقتصاد الدولة، ويجب مراقبة الحدود للتقليل من دخول أمراض حيوانية جديدة للبلد، ووضع برنامج رقابة عن صحة الحيوانات الداخلة والمستوردة، ووضع برنامج للتحصين الحيوانات من الأمراض المعدية.

 

References:
Gerald T. Keusch, Marguerite Pappaioanou, Mila C. Gonzalez, Kimberly A. Scott, and Peggy Tsai, (2009). Sustaining Global Surveillance and Response to Emerging Zoonotic Diseases. The National Academies, Institute of Medicine, Press. Washington, United States of America

Report: ZOONOTIC DISEASES, HUMAN HEALTH AND FARM ANIMAL WELFARE. World Society for the protection of Animals and Compassion in World Farming, 2013.

The Control of Neglected Zoonotic Diseases, A route to poverty alleviation. Report of a Joint WHO/DFID-AHP Meeting with the participation of FAO and OIE, Geneva, 20 and 21 September 2005.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *