التجارة بالنفايات الطبية
Trade in Medical Waste
أنتبهت دول العالم لخطورة المخلفات الطبية وما تسببه من أضرار صحية وبيئية على الإفراد والمجتمعات، مما جعل الهيئات الصحية تسن قوانين ولوائح تنظم طرق جمعها ومعالجته والتخلص منه في سبيل المحافظة على مجتمعاتها نظيفة وآمنة من العدوى والإصابات بمكيرويات معدية خطيرة قد تنتقل من تلك المخلفات.
منظمة الصحة العالمية وكل الهيئات الصحية في دول العالم أقرت بأن المنتج للمخلفات الطبية هو المسئول الأول عن التخلص من تلك المخلفات، فهو المسئول عن جمعها ونقلها ومعالجتها والتخلص النهائي منها بطرق سليمة وصحية لا ينتج عنها أضرار للأفراد والبيئة المحيطة. كا أن كلنا يعلم القاعدة الرئيسية عند تعاملنا مع نفايات المستشفيات بأنه ” لاتوجد طرق آمنة ورخيصة عند تعاملنا مع المخلفات الطبية فيجب علينا التعامل معها بهذه الطريقة”.
التعامل مع المخلفات الطبية والتخلص منها بطريقة بيئية سليمة يحتاج لتكاليف مادية كتوفير عمالة مدربة ومؤهلة لجمع ونقل نفايات وكذلك توفير أدوات ووسائل تستعمل في ذلك وتحتاج أيضا لطرق معالجة سليمة عن طريق الآلات وتجهيزات تقنية لا ينتج عنها ملوثات للبيئة المحيطة يقومون بها كوادر فنية حتى نصل للمرحلة الأخيرة وهو التخلص النهائي منها بواسطة طرق صديقة للبيئة وهي بالتأكيد ستكون مكلفة كذلك.
لهذا فالعديد من المنتجين للنفايات الطبية من المرافق الصحية والمستشفيات قد يتهربون من مسئولياتهم فتراهم يحاولون التخلص من تلك النفايات بواسطة طرق سهلة وغير مكلفة عبر رميها والتخلص منها بطرق غير قانونية في أماكن غير مخصصة لمثل هذه الأعمال مما يشكل خطورة كبيرة على المجتمعات.
التجاوزات القانونية فيما يخص النفايات الطبية والتجارة بها تحدث في العديد من دول العالم ليس فقط في دول العالم الثالث بل حتى في الدول الغربية والتي تتمتع بقوانين وإجراءات بيئية رقبية صارمة فيما يخص التعامل مع النفايات الخطرة. في بعض دول العالم المتقدمة يقومون ببيع تلك النفايات الخطرة للتخلص منها عبر شركات غير قانوية في منظومة المافيا البيئية لتخلص منها بدل تخصيص أموال لمعالجتها فتقوم تلك الشركات أما بتصديرها للدول الفقيرة لتخزينها ورميها هناك أو يتم التخلص من تلك النفايات الخطرة عبر إغراقها في البحر في المياه الدولية أو في مياه إقليمية لدولة ليست لها سلطة على أراضيها.
أما في بعض دول العالم الثالث وفي ظل تراخي قبضة الدولة وعدم وجود رقابة على مستشفياتها قد تجد أسوء من تلك التصرفات حيث يقوم بعض الخارجين على القانون بالتجارة بتلك النفايات الخطرة وإعادة تدويرها في سبيل الكسب المالي السريع بدون النظر للمخاطر الصحية للمجتمعات والتي تنتج عن تلك التجارة الخطيرة. يدعم تلك التجارة الغير قانونية وجود نظام إداري غير محكم ورقابة متساهلة وفساد مالي منتشر وشبكات إجرامية قوية.
وسأسرد عليكم من خلال الصحف لعدة دول عربية بعض الأمثلة لتلك القضايا والتجاوزات:
المقالة الأولى:
وردت بمجلة الإلكترونية الفجر مقالة بعنوان “الفجر ترصد رحلة النفايات الطبية من المستشفى إلى مائدة الطعام” للكاتب محمد أكرم دياب (1) تكلم فيها عن تصنيع والإستفادة من النفايات الطبية والسوق السوداء الجديدة التي ظهرت حولها حيث قال بأنها سوق ترفع شعار المكسب الحرام، وصناعة تأسست على الدم وانها منتجات هدفها تدمير الصحة العامة. كما ذكر الكاتب أنه بسبب وقائع الإهمال المتكررة تحول مسار تلك النفايات لتصل إلى مخازن الخردة ومصانع إعادة التدوير، وهو ينذر بكارثة حقيقية تهدد صحة المجتمع إذا لم يتم الحد من هذه التجارة.
كما ذكرت المقالة بأن الإدارة العامة للشرطة البيئة ضبطت حوالي 45 طن نفايات طبية داخل مخازن خردة بقرية كفر المندرة وكانت هي الحلقة الوسيطة بين المصدر المنتج للنفايات وبين مصانع التدوير. تتحول المخلفات الطبية بعد تلك العمليات التى تتم لإعادة تدويرها فى مصانع يطلق عليها مصطلح بير السلم (وهو مصطلح مصري يعني الصناعات غير القانونية لتزوير منتجات شبيه للمنتجات الأصلية) إلى منتجات تستهلك فى الحياة اليومية، كأطباق للأكلات السريعة (أطباق الدلفيري) وعلب بلاستيكية لتخزين الطعام (علب الكشري) والمناديل الورقية والأكياس البلاستيكية وغيرها.
كما ذكرت المقالة بأن أجمالي المنشآت الصحية في جمهورية مصر العربية يفوق 12 ألف منشأة وان كمية النفايات المنتجة يصل إلى 150 ألف طن بحسب إحصائيات 2016 منها 35 ألف طن مواد شديدة الخطورة وأن عدد المحارق وأجهزة المعالجة المستعملة في الجمهورية لا تكفي هذه الكميات الكبيرة. هذا الأمر جعل تجارة النفايات الطبية تزدهر وكذلك عدم وجود رقابة على التخلص من النفايات والمسارات التي تمر من خلالها وأنتشار الفساد الأداري كلها كانت عوامل مساعدة.
سعر الطن الواحد كما ذُكر في المقالة يبداء من 4.5 ألف جنيه إلى 20 ألف جنيه حسب نوعها وما تحتويه الشحنة، فإذا كانت مخلفات صلبة يرتفع سعرها وتكون أقل فى المنتجات البلاستيكية، مشيرا إلى أن السوق حاليا يعتمد على مستلزمات الغسيل الكلوى لجودة البلاستيك الموجود بها، أما السرينجات فلها أقل تسعيرة، ويحقق طن مخلفات غرف العمليات الأعلى بينها وأقل سعر لمخلفات العنابر والأقمشة يصل إلى 1500 جنيه.
المقالة الثانية:
في خبر أوردته شبكة الأخبارية السودانية (https://kushnews.net/) في 22 أبريل 2018 أكتشفت في مدينة أم درمان السودانية شبكة تقوم بترويج النفايات الطبية وبيعها لمصنع بلاستيك يستعملها في تصنيع الأواني المنزلية ومعدات بلاستيك، النفايات الطبية قادمة من عدة مستشفيات رئيسية ومراكز غسيل كلي وهي عبارة عن أكياس دماء ملوثة وأكياس قسطرة وحقن وأنابيب غسيل كلوي وغيرها، بحيث يتم جمع تلك النفايات في مكب الذي من المفترض يتم عملية التخلص فيه من عدة مستشفيات. منها تنقل النفايات الطبية في شاحنات إلى مصنع بلاستيك حيث يقوم عاملين بتفريغ أكياس الدم من الدماء وغسلها ورميها في مكينة لتصنيع البلاستيك (2).
المقالة الثالثة:
وفي قضية أخرى حدثت في مصر ذكرتها شبكة “أخبارك” الأخبارية أن النيابة الأدارية أبلغت عن قضية لتجارة بالنفايات الطبية متورط فيها 15 مسئولًا بما فيهم مدير مستشفى كونوا فيما بينهم تشكيلًا عصابيًا لسرقة النفايات الطبية الخطرة والاتجار فيها بدلًا من حرقها. كانوا يقومون بتزوير إيصالات تفيد بحرق كميات كبيرة من النفايات الطبية الناتجة من المستشفى بالتعاون مع مستشفى أخر لديه محرقة وكانت بدلا عن ذلك يقومون بالأتجار بها فيتحصلون على مبالغ نظرا لعمليات الحرق التي لمن تحدث ومبالغ من الأتجار بتلك النفايات للجهات يقومون بتصنيعها (3).
المقالة الرابعة:
في مقالة أخرى في موقع الأهرام المصرية (http://www.ahram.org.eg) في صفحة “المحافظات” بتاريخ 27 فبراير 2016 بعنوان ” سعر الطن 21 ألف جنيه: إعادة تدوير النفايات الطبية فى مصانع (بير السلم) تحت سمع وبصر المسئولين”. تم فتح ملف تسرب النفايات الطبية إلى سماسرة وتجار لبيعها وإعادة تصنيعها لصناعة أطباق وملاعق بلاستيكية في ظل غياب الرقابة على المستشفيات الحكومية والخاصة والعيادات وأحيانا تحت سمع وبصر المسئولين كما ورد في المقالة. فقد ذكر المقال أن في الدقهلية تم ضبط مخزن يحتوي على 25 طن نفايات طبية داخل مزرعة دواجن بقرية تلبانة بالمنصورة قبل بيعها، حيث يباع طن النفايات بحوالي 21 ألف جنيه. وقد ذكر المقال أن وبسبب تكلفة حرق النفايات الطبية بالمحارق التي تقدر بحوالي 3500 جنيه مصري للطن الواحد فالعديد من المستشفيات لا ترغب في دفع ثمن التخلص فيتم بيعها إلى تجار وسماسرة مجهولين (4).
المقالة الخامسة:
وفي مقالة للصحفي عبد الحكيم الجندي بمجلة المصري اليومي بتاريخ 6 مايو 2018 ذكر أن مباحث القليوبية في جمهورية مصر العربية قد تمكنت من ضبط 3 مصانع لتدوير المخلفات الطبية الخطرة وإعادة تدويرها وإدخالها في صناعة الأكواب الشاي والقهوة البلاستيكية أكواب زجاجية ومتطلبات السفرة، وكذلك مواسير البلاستيك المستخدمه في مياه الشرب، ويتم وضع علامات تجارية معروفة عليها حتى يتم ترويجها بسهولة (5).
أخيرا، إعادة تدوير النفايات أمر مقبول جدا ولكن ليس بالنفايات الطبية، التجارة بالنفايات الطبية هي تجارة بالموت وأصبحت للأسف تنتشر في بعض الدول الفقيرة في ظل غياب الرقابة على المستشفيات الحكومية والخاصة والعيادات لهذا يجب على الجميع محاربتها بكل السبل، والتنسيق بين أجهزة الدولة وتطبيق قوانين صارمة في خصوص ذلك وعقوبات رادعة لمن يقوم بهذه التجارة أو مساعدة الأشخاص المتورطين في هذه التجارة الخطيرة.
المراجع:
1- محمد أكرم دياب. الفجر ترصد رحلة النفايات الطبية من المستشفى إلى مائدة الطعام. مجلة الفجر الإلكترونية. الجمعة 02/مارس/2018 – 12:47 م (https://www.elfagr.com/2991411)
2- الخرطوم: ضبط مصنع يصنع الأواني المنزلية من الأكياس الملوثة بالدماء. التاريخ: 22-أبريل-2018 (https://kushnews.net/2018/04/47544)
3- ضبط أكبر قضية لتجار في النفايات الطبية الخطرة (2018). شبكة أخبارك المصرية. http://www.akhbarak.net/news/2018/09/06/17520996/articles/33380703
4- إبراهيم العشماوي. سعر الطن 21 ألف جنيه: إعادة تدوير النفايات الطبية فى مصانع (بير السلم) تحت سمع وبصر المسئولين.جريدة الأهرام. صفحة “المحافظات” بتاريخ 27 فبراير 2016 (http://www.ahram.org.eg)
5- عبد الحكم الجندي. ضبط ثلاث مصانع تستخدم المخلفات الطبية في تصنيع الأدوات المنزلية. مجلة المصري اليوم. الأحد 06-05-2018 21:41 (https://www.almasryalyoum.com/news)
اترك تعليقاً