التخلص من الكمامات والأقنعة التنفسية ذات الاستعمال الواحد: التحدي الكبير الذي واجهته الصين خلال وباء الكورونا الجديد (كوفيد-19).
تعتبر أزمة وباء فيروس الكورونا الجديد (كوفيد-19) التي تمر بها الصين حالياً من أكبر التحديات الصحية التي شهدتها الصين خلال عقود، أنه تحدي كبير لدولة من أكثر دول العالم كثافة في السكان ومن أكثر دول العالم نشاطاً في شتى المجالات الاقتصادية والصناعية والتجارية والبحث العلمي.
عدة تحديات وجهتها الصين في هذا الوباء ليس فقط توفير أماكن عزل المصابين بالفيروس، وليس فقط توفير العلاج المناسب للمصابين في زمن قصير، وليس فقط في توفير العدد المناسب والكافي من العاملين في مجال العناية الصحية بل أيضا من ضمن التحديات الكبيرة التي واجهتها كانت كيفية التخلص من النفايات الطبية التي نتجت من المستشفيات التي تقدم العون والعناية الصحية لهذا الكم الكبير من الإصابات التي تزداد أعدادها يومياً.
التحدي كان كبير بسبب عدم وجود محارق كافية للتخلص من النفايات الطبية وعدم وجود عدد كافي من محطات معالجة النفايات الطبية والتي أغلق البعض منها بعد ما تم استخدامها لسنوات طويلة مضت في محاربة وباء مرض فيروس السارس (SARS) في سنوات 2003.
ايضا في عدم وجود أعداد كبير من العمال المؤهلين للتعامل مع هذا الخطر البيولوجي المميت المتواجد في هذه الكمية الضخمة الناتجة من النفايات الطبية، أيضا التحدي كان في عدم وجود عدد كافي من الشاحنات والعربات لنقل تلك الكميات من النفايات والتي تتضخم أحجامها بزيادة حالات الإصابات يوماً عن يوم.
كل هذه الأسباب سببت في تضخم وتراكم كميات النفايات الطبية خلال انتشار الوباء وخاصة في المناطق الموبوءة في ساحات المستشفيات بمدينة ووهان ذات الكثافة السكانية 11 مليون ومركز انتشار الوباء في الصين والمدينة الأكثر تضررا من الوباء وأكثر حالات الوفيات. فقد تضاعف حجم النفايات الطبية الناتجة في هذه المدينة إلى أربع مرات ضعفاً إلى أكثر 200 طن يومياً وفق لتقارير وسائل الأعلام الصينية.
هذا التكدس في النفايات الطبية بالمستشفيات جعل الجميع يقلق للأضرار الصحية والبيئية التي قد تنجم عن تراكمها بهذا الشكل، وخاصة النفايات الطبية المعدية مثل الكمامات والأقنعة التنفسية ذات الاستعمال الواحد (Disposable masks) المستعملة بكثرة من قبل المرضى المصابين بفيروس الكورونا الجديد (كوفيد-19) والتي تشكل خطر بيولوجي كبير لاحتوائها على سوائل وإفرازات الجهاز التنفسي كالبصاق واللعاب والرذاذ للمصابين.
كيفية التعامل مع الكمامات وأقنعة الوجه والملابس الوقاية الشخصية والقفازات التي استعملت من قبل المرضى المصابين أو من قبل العاملين بالصحة من طواقم الأطباء والتمريض الذين يقدمون العناية للمرضى بالمستشفيات والتي يبلغ عددها بالملايين أو حتى المليارات، والتي تعتبر الجزء الأكبر من كمية النفايات الطبية التي نتجت خلال الوباء الكورونا في الصين، هي صداع آخر للسلطات الصينية العالقة بالفعل بين احتواء المرض الفيروسي والحد من الضرر الاقتصادي الناجم عنه.
استعمال الكمامات والأقنعة تعتبر حماية أساسية وضرورية في محاربة مرض فيروس الكورونا الجديد (كوفيد-19) في غالبية دول العالم، وكما ذكرت صحف صينية بأن ارتداء قناع الوجه لإبعاد الفيروس أصبح جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للعديد من الناس. لهذا لوحظ ارتفاع الطلب على الأقنعة والكمامات الطبية فحسب إحصائيات اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية بأن المصنعون الصينيون ينتجون حوالي 116 مليون في اليوم الواحد بزيادة 12 ضعفاً بالمقارنة بالأشهر الماضية.
ولكن عدة تقارير بيئية ذكرت بأنه لا يتم التخلص من هذه النفايات بالطرق السليمة في العديد من الدول الأسيوية فتجدها مرمية على جوانب الطرقات والشواطئ متناثرة حيث أنها تشكل خطر كبير على الأحياء البرية والبحرية والطيور.
كما أن هذه الكمامات والأقنعة المرمية خطورتها أنه ربما يتم استعمالها من جديد فتكون سبب في انتقال الفيروس وحدوث إصابات جديدة، فالفيروسات تستطيع العيش فيها لساعات طويلة أو حتى أيام في وجود الرطوبة ويمكن أن تنتقل الفيروسات إذا لمسها الشخص تم لمس وجه.
هذه النفايات تحتاج إلى معالجة سريعة وفعالة للقضاء على الفيروسات الموجودة بها حتى لا تصيب الأخرين من العاملين بالصحة أو من عمال جمع أو نقل النفايات ويجب معالجتها بواسطة المحارق المتخصصة أو بواسطة عمليات التعقيم عبر أجهزة الأوتوكليف أو بواسطة السوائل الكيميائية.
أحد الخبراء الصينيين حين سئل في أحد التقارير الصحفية عن الأقنعة والكمامات الطبية حيث قال أن الأقنعة والكمامات يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات:
- الفئة الأولى يستعملها المرضى وطواقم الأطباء والتمريض في المستشفيات وهذه تعامل كنفايات طبية معدية ويجب التخلص منها بواسطة الحرق أو معالجتها بالتعقيم في أجهزة الأوتوكليف.
- الفئة الثانية يستعملها الأشخاص الأصحاء ويتم التعامل معها وجمعها والتخلص منها كالنفايات المنزلية بحرقها في محارق النفايات المنزلية.
- الفئة الثالثة يستخدمها أولئك الأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحجر الصحي في المنازل أو غيرهم ممن يعانون من أعراض خفيفة. وهذه هي المنطقة الرمادية التي قال عنها الخبير الصيني “هناك منطقة رمادية فوق هذا النوع من الأقنعة المستخدمة والتي لا تخضع لاختصاص المؤسسات الطبية ولكن يجب معالجتها وفقًا لمعايير التي تطبق على النفايات الطبية.”
وأخيراً، بالتأكيد مثل هذه المشكلة التي واجهتها الصين حالياً ستواجه العديد من دول العالم خلال هذا الانتشار العالمي للوباء وخاصة الدول التي بها أعداد ضخمة من المصابين وليست لها استعدادات كافية أو أن ميزانيتها لا تتحمل مثل هذا الضغط الاقتصادي المترتب على الوباء.
وفي الختام، أحب أن أذكر لكم كلمة قالها مدير معهد اقتصاد إعادة التدوير في جامعة تونغجي في شنغهاي في تقرير صحفي: “إن التخلص من النفايات الطبية هو جزء رئيسي من المعركة ضد تفشي المرض، وهي دعوة لليقظة للحكومة لتسريع بناء مرافق جديدة والبحث في تقنيات معالجة النفايات”.
Sources:
https://www.scmp.com/comment/opinion/article/3074162/disposal-face-masks-and-medical-waste-crisis-making
https://www.scmp.com/news/china
اترك تعليقاً