التلوث بالكيماويات المعرقلة لوظائف الغدد الصماء
خلال السنوات الماضية لوحظت العديد من التغيرات في بعض أنواع الأسماك وبعض الأحياء البحرية والبرية فإجريت عليها العديد من الدراسات والأبحاث لمعرفة الأسباب من وراء ذلك فكانت النتائج تشير أن السبب هو التلوث بمواد كيميائية لها تأثيرات خاصة على بعض الهرمونات الضرورية لوظائف الجسم من خلال تأثيرها على الغدد الصماء فاطلقت علي تلك المواد تسمية الكيماويات المعرقلة لوظائف الغدد الصماء (Endocrine disrupting chemicals).
هي مواد كيميائية لها المقدرة على الأخلال أو التدخل في نظام ووظائف الغدد الصماء في جسم الإنسان والحيوان فتحدث أضرار وآثار سلبية على صحة الأنسان والأحياء البرية والبحرية. هنالك أكثر من 800 مادة كيميائية يمكن لها عرقلة وظائف الغدد الصماء، منها أدوية تسبب عمدا هذه الآثار على الرغم من أن الدراسات التي اجريت علي تأثيرها لم تكن شافية وكانت ضعيفة نوعا ما.
هناك عدد كبير من الغدد الصماء في جسم الأنسان مثل الغذة النخامية، الغذة الدرقية، الغذة الصعترية، الغذة الصنوبرية والغذذ البنكرياس، الغذة الكظرية، الغذة فوق الكلوية، غذة الهبتولميسية، غذة المبيض وغذة الخصية. تأثير تلك المواد على الغذذ يكون بواسطة تداخلها في إفرازاتها أو في تكون وبناء تلك الغذذ أو في أيض تلك الغدد مما يسبب خلل في توازنها أو عرقلة في وظائفها. هذه الكيماويات كثيرة وقد نجدها في الغذاء أو حاويات حفظ الغذاء أو في بعض الأجهزة الطبية أو المستحضرات الصيدلانية او التجميلية أو منتجات التنظيف، وهذا على سبيل المثال وليس الحصر .
لماذا علينا أن نهتم بهذه المشكلة؟
لقد كشفت الدراسات التي ترصد في التغيرات الحيوية لدى الأنسان وجود هذه المواد الكيميائية ذات التأثير على وظائف الغدد الصماء في معظم أنسجة الأنسان وسوائله مثل أنسجة المشيمة وفي عينات الحليب والبول والدم واللعاب.
قد يكون من الصعب تقدير كميات التي يتعرض لها الإنسان من تلك المواد الكيميائية لوجود عوامل خارجية كثيرة وكذلك الأختلاف الوراثي وكمية الوقت لذلك التعرض ولصعوبة دراستها لأننا نتعرض لها بأستمرار بسبب وجودها في كل مكان. زيادة عدد الأمراض التي لها علاقة بأختلال توازن الهرمونات في جسم الأنسان وفي مختلف أطوار النمو قد ربط بالتعرض لهذه المواد الكيميائية، فمثلا التعرض لهذه الكيماويات ربط بالتشوهات التي تحدث للأجنة كضعف نمو الدماغ وأختلال وتشوهات الأعضاء التناسلية.
الأدلة العلمية من الدراسات البحثية على الحيوانات تشير إلى تأثير هذه المواد وتسببها في آثار ضارة بمستويات مختلفة حسب مستويات التعرض تلك التأثيرات كانت حتى عند الجرعات المنخفضة. الأمر الذي يتناقض مع الافتراض بأن التأثير الضار يعتمد على مستويات الجرعة، وهذا يجعلنا أن لا نقلل من خطورتها حتى في الجرعات القليلة. علاوة على ذلك، هذه الكيماويات المعرقلة لوظائف الغدد الصماء قد تشكل مشتقات وقد تتآزر مع مواد أخرى فيكون تأثيرها قوي وقد لا نستطيع التنبؤ به وبأضرارها.
من هو المعرض لخطر هذه المواد؟
الأجنة والأطفال الرضع بسبب عدم مقدرة أجسامهم على معالجة تسمم الكيماويات كم يفعل الكبار بسبب أن أعضائهم في طور النضوج وخاصة جهاز الغذذ الصماء لديهم، وقد اصبح واضح التأثير التعرض للكيماويات في بداية الحياة على حدوث الأمراض في وقت لاحق.
ركز البحاثين حول تعرض الأطفال الخدج إلى هذه الكيماويات في أقسام حديثي الولادة(Neonatal Intensive Care Units)، وقد لوحظ أنخفاض أوزان الأطفال وعدم اكتمال أجهزتهم. وانهم محتاجين لعديد من التدخلات الطبية. كما اشار البعض بأن المساعدة الطبية للاطفال حديث الولادة بأستخدام أنابيب تغذية تتكون من البي في سي (PVC) سببت في مشاكل لدى الاطفال.
أين توجد الكيماويات المعرقلة لوظائف الغدد الصماء في مجال الصحة؟
أصبح العديد من المختصين مهتمين بمخاطر التعرض للكيماويات المعرقلة لوظائف الغدد الصماء في مجال الصحة لما لها من خطورة كبيرة على المرضى وخاصة الأطفال بسبب التاثيرات تلك المواد عليهم.
في فثرة الخمسينيات وستنيات القرن الماضي كان يتم وصف مركب (Diethylstilbestrol) كدواء يمنع الأجهاض ولكن كان له آثار جانبية قوية أثرت في بنتين لإمرأة استعملت الدواء من ضمنها آثارها تشوهات على الجهاز التناسلي وسرطان الصدر والمبيض، وقد منع استخدام الدواء في السبعينيات القرن الماضي ولكن آثاره لا زالت في احفاد تلك المرأة. كان هذا الدواء هو الانذار الأول عن تأثير التعرض للكيماويات المعرقلة لوظائف الغدد الصماء على الصحة العامة.
مركب ثاني له نفس التأثير هو مركب الفتالايت (Phthalates) ويستخدم عادة كملين لمنتجات البي في سي وموجود بكثرة ضمن الأدوات الطبية مثل أكياس وحدات الدم والقفازات البلاستيكية وغيرها من الأدوات وهو عادة يشغل 40% من حجم المنتجات، هذا المركب من السهل جدا ذوبانه في الماء أو سوائل الجسم وايضا حتى إلى الهواء وهو يتوقع أن يكون تأثيره في منع انتاج التستسترون (testosterone) في الخصية، ويعتبر كمادة سامة للجهاز التناسلي في التشريعات الأوروبية.
مركب ثالث يسمى مركب البيسفنول أ (Bisphenol A) حيث تم العثور عليه في عينات البول لجميع الأطفال الخدج في حجرتين للعناية الفائقة، وقد وجدوا أن الأطفال المحتاجين أنابيب التنفسية والأنابيب الأنفية للمعدة هم أكثر نسبة تواجد المركب مقارن بالأطفال الأخرين اللذين لا يستعملون هذه الأنابيب. مركب البيسفنول أ هو أحدى الكيماويات التي تتبلمر وتنتج بوليكربونات البلاستيك وأنواع أخرى من البلاستيك وتستعمل لتتبيت مركبات البي في سي، يستعمل هذا المركب بكثرة في مجال الصحة مثل أنابيب الغسيل الكلوي، وفي حاضنات الأطفال وصناعة الحقن وغيرها من الأشياء الطبية. يعتبر هذا المركب من الكيماويات المعرقلة لوظائف الغدد الصماء القوي وله مقدرة قوية على التفاعل مع هرمون الأستروجين (estrogen) وهرمون الأستراديول (estradiol)، عدة دراسات نوهت بأن هذه المادة وجدت متسربة من الأدوات الطبية المصنوعة من البي في سي وغيرها من البلاستيك.
لماذا هذه الكيماويات الضارة مسموح بها في قطاع الصحة؟
بالرغم من أن الآثار الصحية لهذه المواد اصبحت واضحة للجميع ولكن لا زال قطاع الصحة في معظم دول العالم ممتلئ بها ولا يوجد اي فعل قوي لأنقاصها إلا بعض المحاولات القليلة والتي سنذكرها هنا:
تشريعات الاتحاد الأوروبي بخصوص الأدوات الطبية
هناك تشريع بخصوص المنتجات من الادوات الطبية التي بها مركبات (phthalates (DEHP, DBP, DIBPand BBP) بحيث يجب أن تصنف على أنها مواد سامة تسبب سرطان (carcinogenic) أو طفرات (mutagenic) للجهاز التناسلي ويجب وضع التحذير كعلامات على المنتج، وايضا يجب على المصٌنع لهذه الأدوات تبرير واعطاء سبب مقنع في حالة استخدام هذه الادوات للأطفال والنساء الحوامل والنساء المريضات بالذات.
حاليا هناك مقترح أوروبي جديد يناقش الأقلال من كمية الكيماويات المعرقلة لوظائف الغدد الصماء في الادوات الطبية بصفة عامة. لم يقدم المقترح وقت محدد لمنع هذه المركبات نهائيا أو الزمن لإيجاد البديل الآمن. مع أن بعض أعضاء في البرلمان الأوروبي ينتظروا في احتمال صدور منع نهائيا لتلك الكيماويات الضارة في الادوات الطبية كلما كان هناك بديل آمن. وربما قد نتسأل لماذا هذه المواد لازالت تستعمل في الادوات الطبية بالرغم من أنها قد استبعدت نهائياً من ألعاب الأطفال حتى عمر 3 سنوات. على الرغم من أن تفاعل الاتحاد الأوروبي ضعيف في هذا الأمر ولكن بعض الدول تحركت على المستوى الوطني واصدرت تشريعات تخصها في مجال الحد ومنع الكيماويات المعرقلة لوظائف الغدد الصماء في الادوات الطبية.
منع فرنسا تواجد مركبات (DEHP) في الانابيب
سنت فرنسا في ديسمبر 2012 قانون لأول مرة يمنع أحتوى مادة (DEHP) في اي منتجات أو أدوات في أقسام الأطفال والولادة، هذا المنع ساري المفعول مع سنة 2015 وهو سيدفع لمنع تواجد الأنواع الثانية من تلك المواد الضارة مثل (DBP and BBP) في كل الأدوات الطبية.
الدنمارك تحدو حدو فرنسا
وزارة الصحة الدنماركية دعمت منع والحد من مواد (phthalates) في الأدوات الطبية وتدعو إلى خلق شراكة بين المصنعين والهيئات والخبراء لوضع موعد محدد لسحب كل الادوات التي تحتوي في تركيبها تلك المواد.
خبرة النمسا في منع البي في سي في (PVC) أقسام العناية الفائقة لحديثي الولادة
قام مستشفى فيينا بالنمسا بوضع لوائح وأحكام ضد البي في سي لمنع الأضرار الصحية من أن تصيب الأطفال الخدج في اقسام حديثي الولادة، فقد منع اي ادوات قد تلمس الاطفال يكون بها تلك المركبات. وفي قسم حديثي الولادة في مستشفى الاطفال جلينزينج (Glanzing Children’s Hospital) المنع بداء مند سنة 2000 ومع سنة 2010 نصف المنتجات تم استبدالها أما بالنسبة للاسعار فحتمال زيادتها كانت واردة بسبب البديل المكلف ولكن فقط الزيادة كانت أقل من 15%.
منع بلدية استوكهولم لمنتجات البي في سي (PVC)
قررت بلدية استوكهولم منع منتجات البي في سي والفتلاتيز من المستشفيات منذ سنة 1997، وفي سنة 2004 تقدمت بترتيبات لشراء قفازات مصنوعة من مواد آمنة للبيئة لإستبدال كمية 100 طن من المواد الضارة في السنة. والي حد اليوم مستشفى الجامعي كارولينسكا يعتبر بالكامل خالي من منتجات البي في سي.
أيضا بعض المستشفيات في عدة دول حدث حدوهم في منع تلك الأدوات المصنوعة من تلك المواد المحظورة وبالذات في اقسام حديثي الولادة، والمستشفيات هي: مستشفى في جمهورية التشيك (Na Homolce and Olomouc Hospitals)، وفي جمهورية السلفاك (Kosice Saca Hospital)، وفي فرنسا (Clinique Champeau).
أصبح الجميع على علم بمخاطر تلك المواد، وعدد المستشفيات التي طبقت الحظر في تزايد، فالدعوة موجهة للجميع وخاصة في دول العالم الثالث للتقليل والحد من استعمال تلك المواد الكيميائية الضارة حتى تصبح مستشفياتنا أكثر صحة ويصبح كوكبنا أكثر آمناً.
المقالة مترجمة بتصرف من المرجع:
Endocrine disruptors in the healthcare sector. Are there reasons for concern?
Health Care Without Harm Europe. Web: noharm-europe.org
Global Green and Healthy Hospitals. Web: greenhospitals.net
References:
Bergman et al., “State of the science of endocrine disrupting chemicals – 2012”, UNEP/WHO, 2013, 260 pp.
Diamanti-Kandarakis et al., 2009, “Endocrine-Disrupting Chemicals: An endocrine society scientific statement”, Endocrine Society, 50 pp.
Zoeller et al., 2012, Endocr Rev 33: 1-78
شكرا على المعلومة القيمة د.الطاهر كنت طالبة عندك وأنت من الأشخاص القدوة حفظك الله
بارك الله فيك وشكرا على كلماتك الرقيقة