النفايات الطبية في مختبرات الهستوباثولوجي
مختبرات ومعامل الهستوباثولوجي (Histo-Pathology Laboratories) أو معامل الباثولوجي كما يطلق عليه البعض تعتبر من المرافق الصحية المهمة جدا لقطاع الخذمات الرعاية الصحة فهي تقدم خذمات طبية خاصة لا غنى عنها. فهذه المختبرات تقوم بفحص العينات من الأنسجة الأدمية والأعضاء المأخوده من مواقع عدة من مرضي يعانون من أمراض مختلفة لمعرفة خلوها أو إحتواءها على أورام وسرطانات وبالتالي يقوم الطبيب بالتعامل معها في حالة وجودها أما بالإستصأل عبر عمليات جراحية أو معالجتها وإيقاف إنتشارها عبر أستعمال أدوية كيميائية قاتلة للخلايا السرطانية، أو إطلاق إشعة علاجية للقضاء عليها والحد من توسعها.
الهدف من مختبرات الهستوباثولوجي هو دراسة التغيرات في الأنسجة وتحديد الأمراض المحتملة. الهدف الآخر هو تحليل التغيرات الكامنة في الأنسجة التي يمكن أن تؤثر على جزء أو تصاحب المرض، وظهور الأعراض الطبية.
تنتج المرافق الصحية بأختلاف أنواعها وتنوع الخذمات الطبية التي تقدمها نفايات طبية، ومختبرات الهستوباثولوجي كذلك نتنج نفايات طبية ولكنها تمتاز بخطورة خاصة. فغالبية النفايات التي تنتجها هي نفايات طبية كيميائية خطيرة جدا مثل سوائل الأحماض والمذيبات التي لها أضرار صحية كبيرة على العاملين وأضرار كارثية على النظم الأيكولوجية في البيئة المحيطة بالإظافة للنفايات الباثولوجية المعدية مثل بقايا عينات أنسجة الأدمية والأعضاء البشرية المستأصلة من مرضى.
أثناء الفحص النسيجي ، يتم تسليم جزء من العضو المراد إختباره إلى المختبر الهستوباثولجي في حاوية ملئية بمادة مثبتة التي توقف التحلل الذاتي للنسيج وتحافظ على الاستقرار الهيكلي للخلايا. المواد المثبتة النموذجية المستخدمة في جميع معامل الهستوباثولوجي هي الألدهيدات وخاصة فورمالديهايد.
يفحص أخصائي علم الأمراض العينة ويختار النسيج بأكمله أو جزء منه لمزيد من المعالجة والفحص. المواد الاستهلاكية الطبية المستخدمة في هذه العملية هي القفازات ، شفرة السكين، القطن، أنسجة قطنية، ورق الترشيح. بعد ذلك، يتم وضع أجزاء الأنسجة المعالجة في معالج الأنسجة لتجفيف وتنظيف الخلايا، باستخدام الإيثانول ومزيج من ثلاث زيلين.
المرحلة الأخيرة من المعالجة هي تحضير مكعبات البارافين التي تحتوي على أجزاء الأنسجة. ثم يتم تقطيع مكعبات البارافين إلى قشور رقيقة على مشراح وتوضع على ألواح. وتصبغ أجزاء النسيج بصبغة الهيماتوكسيلين ويوزين. تم يقوم فريق الطبي المتخصص بفحص الشكل النهائي للشريحة تحت المجهر.
لحجم المخاطر البيولوجية والكيميائية الناتجة من مختبرات ومعامل الهستوباثولوجي فأن تصميم هذه المختبرات يجب أن يراعى فيها مواصفات خاصة جدا، فتصميم المبنى يختلف كثيرا عن تصميم المختبرات الطبية الأخرى من عدة جوانب مثل منظومة الصرف الصحي التي لها خصوصية كبيرة جدا لو تمت مقارنتها بالمختبرات الطبية الأخرى. فهذه المعامل تتعامل مع كميات كبيرة من الأحماض والمذيبات القوية تحتاج لمعالجة خاصة قبل دخولها لشبكة الصرف الصحي.
خلال الأونة الأخيرة، وبسبب زيادة الخذمات الطبية في القطاع الخاص فقد أنتشرت معامل الهستوباثولوجي، ولكن في غياب القوانين البيئية الصارمة أصبحت هذه المعامل مصدر كبير للمخاطر البيولوجية والكيميائية للمجتمع المحيط. فقد أنتشرت تلك المعامل في المباني السكنية المكتظة ولم يتم إتخاذ الإجراءات السلامة والوقاية من مخاطرها ولم يتم تصميم تلك المباني بالطريقة السليمة بيئياً.
لا توجد معلومات كثيرة حول معدلات توليد وتكوين النفايات الطبية في معامل الهستوباثولوجي بسبب قلة الدراسات والأبحاث التي غطت هذا المجال. في هذه المقالة سأناقش إحدى الدراسات القليلة التي تطرقت لهذه النقطة.
دراسة علمية حديثة (Kalogiannidou and Komilis, 2018) أجريت في ثاني مدينة باليونان من حيث حجم السكان (Thessaloniki, Greece) حول النفايات الطبية المنتجة في سبعة مختبرات الهستوبوتالوجي، ثلاث مختبرات حكومية وأربعة مختبرات في القطاع الخاص. الدراسة كانت حول الكميات المنتجة وتركيب تلك النفايات الطبية بالقطاع الخاص والعام وقد أستغرقت فترة زمنية لمدة خمسة أشهر حتى تعطي فكرة واضحة وجلية حول هذه النقطة.
حسب النتائج التي توصل إليه البحاثين (Kalogiannidou and Komilis, 2018) أن 57% من النفايات الطبية الناتجة كانت عبارة عن نفايات سامة (Toxic waste) على هيئة سوائل مثل الفورمالديهايد والذي يستخدم لحفظ الأنسجة والأعضاء المبثورة لحين إجراء الإختبارات عليها. وهي تعتبر النفايات الكيميائية السامة الوحيدة الناتجة بكثرة من المختبرات ويتم التخلص منها بعد تجميعها في حاويات حجم 30 لتراً، الحاويات مقاومة للتآكل ويتم تخزينها في المختبر حتى يتم ملء ثلتيها تم تنقل إلى محطة معالجة النفايات الطبية السائلة بواسطة المحارق.
تشكل النفايات الخطرة المختلطة (The mixed hazardous waste) نسبة 28% و 24% من أجمالي النفايات الطبية في القطاع العام والخاص على التوالي، ويقصد الباحثين بالنفايات المختلطة (نفايات معدية كالأنسجة وكيميائية سامة كالفورملديهايد)، وهي عينات الفورملديهايد التي تحتوي بقايا صغيرة من الأنسجة فيتم جمعها وتركيزها بواسطة الجهاز الطارد المركزي ووزنها وحسابها كنفايات مختلطة. وعادة ما يتم الأحتفاظ بالعينات المختلطة في معامل الهستوباثولوجي في التشريع الصحي اليونان لمدة 30 يوما تحسبا لإحتياجها لإجراء المزيد من التحاليل بعدها يتم نقلها والتخلص منها بواسطة المحارق.
يستخدم الفورمالديهايد (CH2O) عادة في مختبرات الهستوباثولجي للحفاظ على الأنسجة. في درجة حرارة الغرفة ، هو غاز عديم اللون ذو رائحة مزعجة وهو مركب خطير. لا يمكن العثور على الفورمالديهايد النقي في المحلات ولكن يباع كمحلول مائي بنقاء 30-50 ٪ (حسب الوزن). وهو شديد التفاعل، ويخضع بسهولة للبلمرة، وقابل للاشتعال بشدة ، ويمكن أن يشكل خلائط متفجرة في الهواء. يتحلل في درجات الحرارة فوق 150 درجة مئوية. استنادًا إلى الدراسات المختبرية، يُعتبر استنشاق الفورمالدهايد في ظل الظروف التي تحفز السمية الخلوية (Cytotoxicity) والتكاثر المتجدد المستدام خطراً مسرطناً على البشر. في مختبرات الهستوباثولوجي ، يتم فصل الفورمالديهايد عن الأنسجة قبل التحليل باستخدام شاشة بسيطة. ثم يتم التخلص من الفورمالديهايد وحده كنفايات سائلة منفصلة ، دون تضمين أجزاء الأنسجة.
ضمت النفايات المعدية (The infectious waste) في المختبرات قيد الدراسة أربع فئات رئيسية هي:
أ) الأدوات الحادة ، وهي شفرات القطع التي تستخدم لقطع الأنسجة.
ب) قفازات المطاطية تستخدم مرة واحدة، والتي يستخدمها الطاقم الطبي.
ج) القطن المستخدم لتنظيف الأنسجة أو منضدة العمل من سوائل الجسم وورق التصفية.
د) حاوية بلاستيكية فارغة تنقل الأنسجة والفورمالديهايد إلى المختبر. يتم تصريف الفورمالديهايد عادةً والتخلص منه بشكل منفصل كنفايات سامة، كما يتم التخلص من الأنسجة المستهلكة بشكل منفصل كنفايات خطرة مختلطة. الحاوية الفارغة التي تبقى بعد التخلص من الأنسجة والفورمالديهايد تصنف وتعالج كنفايات معدية.
تشكل النفايات الطبية المعدية (The infectious waste) من الأنسجة والأطراف المبثورة حوالي 15% من أجمالي النفايات المتولدة في القطاعين. منها 75% وهي العبوات البلاستيكية لعينات أنسجة وهي الكمية الأكبر وحوالي 17% قفازات اللاتكس التي يستعملها العاملين خلال تعاملهم مع العينات.
أما النفايات العامة المنزلية (النفايات البلدية) فكانت دائما نسبتها أقل بـ 4% من حيث الوزن. تعتبر نسبة النفايات البلدية (النفايات المنزلية) قليلة جدا بالمقارنة (مثل قناني الشرب، الأوراق المكتبية والجرائد وبقايا الأطعمة والتغليف) وقد وجد الباحثين أنه يتم وضعها وجمعها في أكياس النفايات المعدية في ستة من سبعة مختبرات التي أجريت عليها الدراسة.
وكان أجمالي النفايات الطبية المتولدة في القطاع العام والخاص في الدراسة هي على التوالي 281+121 و 214+115 جرام/ للممتحن. وبصفة عام لم تجد الدراسة فروقات ذات دلالة إحصائية بين معدلات توليد النفايات الطبية بين المختبرات في القطاع العام والخاص.
كما قدر الباحث بأن ما بين 50 إلى 80 لترًا من المواد الكيميائية السائلة المهدورة مجتمعة (الفورمالديهايد، والإيثانول، والزيلين ومياه الصرف) يتم توليدها بواسطة المعامل شهريًا بسبب استبدال كواشف المعدات والتخلص من المواد القديمة. وهذه الكميات لا يتم تضمينها من ضمن النفايات الطبية المذكورة في الدراسة، حيث لم يتم قياسها بدقة. كما ذكر الباحث بأنه هناك ثلاث تقنيات لمعالجة الأنسجة تستخدم في المختبرات وهي تؤثر على توليد النفايات وكمياتها.
أما بخصوص الممارسات وطرق التعامل مع النفايات الطبية (Medical Waste Management) في المختبرات السبعة اليونانية التي أجريت عليها الدراسة. وجد الباحثين أن هناك فصل وفرز للنفايات الطبية حسب التشريعات اليونانية يقوم به عادة شخص مؤهل طبي وأخر صيدلاني، يقومون بفرزها ووضعها في حاويات خاصة باللون الأصفر أو الأحمر حسب طرق المعالجة المطلوبة واحيانا يتم نقل بعضها لإعادة تصنيعها أو أستخراج المواد المفيدة منها. في جميع المختبرات السبعة قيد الدراسة، كان هناك ثلاثة أنواع من الحاويات للتخلص من النفايات الطبية إلا أن بعض المختبرات يتم التخلص من النفايات المنزلية مع أكياس النفايات المعدية في بعض الحالات عن طريق الخطاء.
ملاحظاتنا على الدراسة
هناك عدة ملاحظات حول الدراسة لخصتها في التالي:
1- تعتبر مختبرات الهستوباثولوجي مصدر كبير للملوثات الكيميائية السامة والنفايات المعدية إذا لم يتم التعامل مع النفايات الطبية الناتجة بطريقة سليمة، وأكثر الملوثات وأخطرها الفورمالديهايد وهو مادة سامة جدا للبيئة وللعاملين والإفراد المحيطين.
2- الدراسة أثبتت تعامل تلك المختبرات قيد الدراسة بطريقة سليمة مع النفايات الطبية الناتجة من حيث الفرز وأستعمال الألوان المعتمدة لفصل النفايات السامة والمعدية وأيضا نقلها للتخلص النهائي منها. بالرغم من وجود بعض تسرب نفايات سامة للبيئة عبر منظومة الصرف الصحي خلال استبدال كواشف المعدات والتخلص من المواد القديمة.
3- لم يتطريق الباحث في هذه الدراسة حول المختبرات الهستوباثولوجي من حيث المبنى والتصميم الهندسي كمختبر متخصص يتعامل مع أحماض ومذيبات وهذه النفطة بالنسبة لنا تعتبر مهمة، وربما لأن تلك المختبرات لم تزاول أعمالها إلا بعد الحصول على إذوانات مزاولة وموافقة الجهات الرسمية على تصميم المبنى والتجهبزات والتي تخضع للقوانين والمواصفات الأوروبية وهي صارمة جدا من هذه الناحية.
بحسب التجربة (وأنا هنا أتكلم عن مدينة طرابلس الغرب والتي أقطن بها) فلا يوجد مختبر هستوباثولوجي قد تم تصميمه على أساس هذا العمل من حيث الأحواض المائية وشبكة الصرف الصحي وكذلك استعمال الطاولات الخاصة لمثل هذه الأعمال، فكلها مباني عادية تم تحويرها لهذه العمل، وبهذا فحجم التلوث الكيميائي السام سيكون كبير على البيئة المحيطة.
بعض مختبرات الهستوباثلوجي بمدينة طرابلس موجودة داخل مناطق سكنية مزدحمة جدا وبها شبكة صرف صحي قديمة ومتهالكة الأمر الذي سيزيد من فساد الشبكة ويسبب إنطلاق ملوثات كيميائية خطيرة للبيئة المحيطة.
هذه النوعية من المختبرات تحتاج لمواصفات فنية خاصة في بناءها وأشتراطات السلامة وإدارة نفايات طبية صارمة. لهذا لا يجب إعطاء تصريحات وأذونات مزاولة لفتح معامل هستوباثولوجي إلا بعد إستفاء شروط السلامة وتقييم الضرر البيئي، من حيث تصميم المبنى المناسب لهذا العمل وايضا الخضوع للممارسات التعامل السليم مع النفايات الطبية المنتجة في تلك المختبرات من حيث الفرز والنقل والمعالجة والتخلص النهائي وإجراءات سلامة العاملين.
References:
Kalogiannidou Katerina and Komilis Dimitrios. (2018). Generation and Composition of Medical Waste Derived From Histopathology Laboratories. Proceedings of the 2nd International Conference of Recent Trends in Environmental Science and Engineering (RTESE’18) Niagara Falls, Canada – June 10 – 12, 2018 Paper No. 128
اترك تعليقاً