أعتقد أهالي قرية موزيفا في أقليم زمبيزيا بموزمبيق أنهم أكتشفوا كنز عندما أخدوا حفنة من التراب المتسخ وجدوه مرمي قرب قريتهم وألقوه في البحيرة، ففي لحظات طفت كمية من الأسماك الميته على السطح والتي كان سيستغرق منهم وقت كبير وأدوات غير متاحة لهم لصيد تلك الكمية، وبسرعة قاموا ببيع تلك الأسماك في السوق المحلي وكان يوم مثمر ومربح بالنسبة لهم.
فما هو هذا الكنز؟ الذي وجدوه وجعل الأسماك بأقل جهد تطفو على سطح البحيرة. الكنز كان عبارة عن تراب ملوث بمبيد حشري شديد السمية أنتهت مدة صلاحيته (Obsolete Pesticides) من بقايا شركة كيميائية خاصة قد تخلصت منه كنفايات كيميائية بردمه في حفر في بدايات الثمانينيات القرن الماضي قرب تلك القرية.
حسب تقرير صندوق البيئة العالمي (Global Environment Facility) أن في أفريقيا لوحدها حوالي 50 ألف طن من المبيدات المنتهية الصلاحية تراكمت مند سنوات طويلة وغالبيتها مخزنة في براميل بالية وحاويات حديد صدئة تتسرب منها السوائل السامة ملوثة التربة والمياه والهواء والغذاء والناس والحياة البرية بمختلف أصنافها. كما ذكر نفس التقرير بأن المغرب وحدها تحتوي على 700 طن من المبيدات المنتهية الصلاحية (Obsolete Pesticides) مخزنة وموزعة على 225 مكان وبقعة على طول البلد وعرضها.
في دراسة تانية حول استعمال المزارعين للمبيدات في وادي ريفت (Rift Valley) في أثيوبيا ذكرت أن أثيوبيا لديها حوالي 1500 طن من المبيدات المنتهية الصلاحية وحوالي ألف طن من المعدات والأدوات الملوثة بالمبيدات مثل الحاويات والعلب وأدوات الرش مخزنة في 400 مكان في كل البلاد. وقد ذكرت الدراسة أن حالة التخزين سيئة جدا فالمبيدات موجودة في براميل قديمة بالية تتسرب منها السوائل معرضة حياة الناس المحيطين للخطر.
بصفة عامة، توجد إدارة سيئة في التعامل مع نفايات المبيدات المنتهية الصلاحية في غالبية الدول الأفريقية والدول العربية كذلك، وهذ سيكون تأثيره على الصحة والبيئة ضار على المدى البعيد. فمعظم الدول الأفريقية والعربية تفتقر للتقنيات اللازمة للمعالجة الفاعلة والخبرة في التعامل ووعدم وجود التمويل المالي الكافي لإنشاء إدارات وخطط وبرامج وإجراءات لتفادي أضرارها ومعالجتها والتخلص النهائي منها. وبالتأكيد في غياب الأدارة السليمة سيكون التأثير الضار قوي على صحة الإنسان والبيئة المحيطة وسيزداد الضرر مع مرور الوقت وأيضا ستزداد تكلفت المعالجة والتخلص النهائي.
صعوبة معالجة المبيدات الحشرية والتكلفة المادية الكبيرة لطرق المعالجة والتخلص النهائي وسوء ترشيد استخدام المبيدات واستعمالها المفرط من قبل المزارعين جعلها تتراكم خلال سنوات بكميات كبيرة جدا، فأصبحت مشكلة تراكم المبيدات من ضمن المشاكل الدولية التي تواجه كل دول العالم بدرجات متفاوتة، وخاصة في الدول الفقيرة والتي تفتقر لتقنيات المعالجة السليمة وبرامج ترشيد الأستعمال والأستهلاك.
هذه الصعوبات جعلت المجهود الدولي يسعى في إنشاء برنامج (Africa Stockpiles Programme) في سنة 2005 وهو برنامج خاص بالدول الأفريقية الهذف منه التخلص من نفايات المبيدات المنتهية الصلاحية المتراكة في أفريقيا، بوضع معايير قياسية وإعطى إستشارات فنية تساعد في التخلص السليم منها. هذا البرنامج صمم لتدريب الهيئات والمؤسسات ذات العلاقة حول المشاكل التي لها علاقة بتلك الكيماويات وايضا دعمهم لتطبيق تقنيات حديثة فعالة ونظيفة للتخلص من المبيدات المنتهية الصلاحية. البرنامج صمم على مراحل عدة وعلى مدة 12-15 سنة، وستكون التكلفة الأجمالية للبرنامج 250 مليون دولار وسيساهم صندوق البيئة العالمي بحوالي 80 مليون.
في الختام، أن مشكلة التخلص من نفايات المبيدات المنتهية الصلاحية التي تراكمت عبر عقود من الأستخدام المفرط والغير مرشد والأهمال في التعامل مع المبيدات هي مشكلة بيئية شديدة الخطورة تواجه العالم كله ولا يمكن أهمالها والتغاضي عنها. منظمة الصحة العالمية قدرت أن المبيدات ربما تسبب في حدوث ربع مليون حالة وفاة غير مباشرة في السنة وحوالي ثلاث مليون شخص يعاني من إصابات وأضرار حادة ومزمنة بطريقة أو أخرى نتيجة المبيدات، وخاصة في دول العالم الثالث.
المبيدات تغلغت في حياتنا وفي أجسادنا بشكل خطير مما جعل أحد الكُتاب في مقدمة كتابه يقول بأنه حالياً لا يوجد إنسان في هذا الكوكب لا يحتوي جسده على ترسبات من مبيد دي دي تي (Dichloro-Diphenyl-Trichloroethane) سوء أكان يسكن في المدن العصرية أو في وسط أدغال الغابات البعيدة أو في قمم الجبال الشاهقة.
REF: Cleaning Up: Ridding the world of dangerous chemicals. Global Environment Facility, www. the gef.org
اترك تعليقاً