فيروس الكورونا والتجارة غير القانونية للحيوانات البرية.
بالرغم من حجم الكارثة التي سببتها جائحة فيروس الكورونا المستجد كوفيد-19 من أضرار صحية واقتصادية واجتماعية لم يشهد العصر الحديث مثلها، جعلها حقاً كارثة عالمية بامتياز فقد مست الجميع وتأثيراتها السيئة ستلحق بالعالم على المدى الطويل.
كارثة وصفها البعض على أنها أسوء كارثة صحية عالمية شهدها العالم أجمع مند وباء الأنفلونزا العظيم سنة 1918 والذي حصد أرواح الملايين من البشر. كارثة امتازت عن غيرها بسرعة الانتشار مما سبب عجز كبير في المنظومة الصحية للعديد من الدول العظمى التي لها امكانيات اقتصادية ضخمة، فأظهرت لنا كم هي هشة تلك المنظومات أمام هذا الاختبار الصعب.
إلا أننا واثقين (وأنا أحد المتفائلين) بأن دول العالم جميعها سوء الغنية أو الفقيرة، والتي لديها امكانيات قوية أو التي تفتقر لها، سيتعلمون عدة دروس قاسية وسيخرجون من هذه الكارثة بعدة أشياء تجعلهم يعيدون النظر إلى الخلف والتفكير في حجم الضرر الذي سببناه بأيدينا في هذا الكوكب الجميل.
وستجعلهم يتعلمون كيف يحترمون البيئة التي نعيش فيها، وكيف يحترمون الكائنات التي تقطن معنا وتشاركنا هذا الكوكب، وتعلمهم إيقاف العبث في النظم الأيكولوجية التي نقوم به بكل جدارة بسبب جشعنا، والتدمير المنظم لإمكانيات الكوكب والذي برعنا فيه عبر عقود من اللامبالاة والاستهلاك المفرط لمقدرات الأرض.
الأسباب التي دعتني لكتابة هذه الكلمات، عندما قرأت أن اللجنة الدائمة للمجلس الوطني الصيني (أو مجلس النواب الصيني) بعد انتشار الفيروس الكورونا المستجد بشكل كبير وخروجه عن السيطرة وحدوث وفيات كثيرة قرر “بمنع التجارة غير القانونية في الحيوانات البرية بشكل عام والقضاء على عادة تناول تلك الحيوانات البرية في الصين”، فقد ربط العديد من العلماء انتشار العدوى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بالحيوانات البرية الغريبة التي كانت تباع في سوق الأسماك والدواجن بمدينة ووهان الصينية.
تلك الحيوانات البرية والتي كانت تستهلك من قبل الصينيين كنوع من العادات الغذائية التقليدية، كانت تمثل خطراً كامناً على الصحة العامة ليس فقط للصينيين بل أصبحت خطرا عاماً على البشرية كلها بعد حدوث الجائحة بشكل عالمي. جاء هذا المنع بعدما حس الصينيون بحجم الخطر الذي سببه عبث مواطنيها بالحيوانات البرية والأخلال بالنظم البيئة والنتائج المأسوية التي ترتبت عن ذلك.
أكد العلماء وبدون وجود مجال للشك بأن مصدر الفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) كان حيواني بالرغم من اختلاف التفاسير في ذلك:
- البعض يقول بأن الخازن الرئيسي للفيروس هي الخفافيش والتي نقلتها إلى الثعابين التي تباع كلحوم للاستهلاك البشري في الأسواق الصينية والتي تعتبر العائل الوسيط، فحدثت بها طفرات جعلت الفيروس ينتقل بسهولة إلى الإنسان.
- والبعض الأخر من العلماء يقولون بأن مصدرها كان حيوان أكل النمل الحرشفي (Pangolins) وهو حيوان بري نادر يستعمل لحمه للعديد من الأمور في الطب الصيني القديم لعلاج الأمراض الجلدية ويؤكل كذلك، فقد أكد العلماء التشابه الكبير لفيروس كورونا المستجد مع فيروسات وجدت في تلك الحيوانات البرية. تلك الفيروسات بعد وصولها إلى إنسان تأقلمت واصبحت عملية انتقالها من شخص إلى أخر محتمل الحدوث.
هذه القصة أيضا حدثت مند عدة سنوات مضت في الصين كذلك، فقد أكد العلماء بأن وباء فيروس السارس (SARS-CoV) وهو ايضا من الفيروسات التاجية التنفسية الفتاكة قد انتشر في العالم سنة 2003 كان مصدره حيواني من القطط البرية (Civet Cats) بعد ما أصيبت من قبل الخفافيش، تلك القطط كانت تستهلك كلحوم من قبل الصينيين فانتقل الفيروس منها إلى الإنسان وحدثت له طفرة جعلته ينتقل بسهولة كبيرة بين البشر.
دروس وسيناريوهات كثيرة مشابه في العالم حدثت سابقاً بسبب تدخل الإنسان في الطبيعة. في سنة 2014-16 عند انتشار مرض فيروس الإيبولا الخطير (Ebola virus disease) وتسببه بموت أكثر من 11 ألف إنسان في دول غرب أفريقيا مثل سيراليون وليبيريا وغينيا كان سببه خفاش الفاكهة الذي نقل الفيروس للحيوانات البرية مثل القرود وغيرها كانت تستهلك كلحوم من قبل الأهالي ومنها انتقل من الإنسان إلى أخر، والعديد من القصص الأوبئة الأخرى لأمراض حيوانية مشتركة التي كان الإنسان سببها بسبب استهلاك الحيوانات البرية.
هذه الجائحة والأوبئة الأخرى التي تحدث باستمرار تحتم علينا صنع تغيير في أسلوب حياتنا، ويجب نشر الوعي بأن تناول الحيوانات البرية هو سلوك غير حضاري وغير صحي وغير أخلاقي. وأن هذه الحيوانات البرية كالإنسان جزء من الطبيعة التي نعيش فيها مع بعض. هذه الحيوانات لها الحق في الحياة كما لنا نحن حق. فحماية الحيوانات البرية هو حماية للبشرية. يجب علينا احترام الطبيعة واحترام الحياة، وتحقيق التعايش السلمي والتناغم بين الإنسان والطبيعة.
ما حدث في الصين من الانتهاكات للحياة البرية للأسف يحدث في غالبية دول العالم بصور مختلفة وهي مرتبطة بالثقافة العامة والوعي للمجتمع ككل. لهذا يجب علينا في كل دول العالم ضرورة وضع قوانين صارمة لتجريم الانتهاكات الغير قانونية للحيوانات البرية كالصيد الجائر لاستهلاك لحومها أو حبس وعزل تلك المخلوقات في بيئات غير بيئتها الأصلية، وتطبيق أقصى العقوبات للمخالفين. ويجب علينا دعوة الجميع إلى بدل الجهود المشتركة لتغيير تلك العادات السيئة المرتبطة بالحيوانات البرية حتى لا تتكرر هذه الكوارث الصحية.
References:
Aylin Woodward. 02/25/2020. China just banned the trade and consumption of wild animals. Experts think the coronavirus jumped from live animals to people at a market. Business Insider . https://www.pulse.ng/bi/tech/china-just-banned-the-trade-and-consumption-of-wild-animals-experts-think-the/qd7fcsw
Lauren Frias. 02/04/2020. China says it will ban the trade in wild animals, like bats, believed to be behind the Wuhan coronavirus, and tighten supervision on ‘wet markets’. https://www.pulse.com.gh/bi/tech/china-says-it-will-ban-the-trade-in-wild-animals-like-bats-believed-to-be-behind-the/d1q71l1
Adam Vaughan. 4 March 2020. China has shut all of its wild animal markets – it was long overdue In an attempt to stem the spread of coronavirus, China has shut its wildlife markets for good. It is a welcome move, says Adam Vaughan https://www.newscientist.com/article/mg24532723-900-china-has-shut-all-of-its-wild-animal-markets-it-was-long-overdue/
Ben Westcott and Shawn Deng, March 6, 2020.CNN. China has made eating wild animals illegal after the coronavirus outbreak. But ending the trade won’t be easy. https://edition.cnn.com/2020/03/05/asia/china-coronavirus-wildlife-consumption-ban-intl-hnk/index.html
اترك تعليقاً