قصة عمال النظافة
The story of the cleaners
كنت دائما أتسأل عن وضع عمال النظافة في دولنا العربية والذين يقومون بجمع النفايات العامة من المستشفيات والمرافق الصحية، والتي تكون عادة مختلطة بالنفايات الطبية، أقصد عاملين النظافة في شركات الأشغال العامة أو العمل النظافة التابعين للمستشفيات العامة في جمع ونقال النفايات العامة في المستشفيات التي لا يقومون فيها بفرز وفصل النفايات الطبية الخطيرة عن العامة.
تكون النفايات في هذه المستشفيات مختلطة، نفايات خطرة وعامة منزلية، فكلنا يعلم بأن النفايات الطبية الخطرة تشكل فقط نسبة 15-20% من أجمالي النفايات المنتجة في المستشفيات، والباقي 80% هي نفاياة عامة شبيه للمنزلية. ولكن عند أختلاطه تصبح كلها بالكامل 100% خطرة، فالنفايات الغير مفصولة حسب مبداء “الإحترازية” (Precautionary Principle) وهي من المباديء الخمسة الدولية الرئيسية والمتعارف عليها لإدارة النفايات الرعاية الصحية الطبية (International Principles of Waste Management) والتي تقول “عند عدم التأكد من أن نوع معين من النفايات قد تسبب أضرار أو لا، عليها يجب التعامل معها بحذر كبير وتعتبر مصدر خطورة وتؤخذ معها كل الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص.
للأجابة عن السؤال حول وضع عمال النظافة في المستشفيات العامة سنسرد عليكم هنا تحقيق صحفي من مجلة ألكترونية تونسية انكفاضة (https://inkyfada.com/ar/2014/12/14) بقلم الصحفي مجدي ورفلي بعنوان: اخلالات في معالجة النفايات الاستشفائية تعرض حياة الناس للخطر”. حيث أجرى تحقيق حول عدة شرائح مختلفة من التونسيين، يعيشون يوميا، تحت رحمة النفايات الاستشفائية الخطيرة دون أن يكون لديهم وعي بما قد يلحق بها من أذى جرّاء هذه النفايات الصادرة عن المستشفيات.
حيث تتبع التحقيق أحد عمال نقل النفايات عمره سبعون سنة يتعامل مع نفايات أحدى المستشفيات العامة بالعاصمة التونسية حيث جا في التحقيق مايلي: “ينتقل عامل النظافة خلال يومه بين الأكياس السّوداء المليئة بالفضلات التي يُفرزها مستشفى بالعاصمة في انتظار نهاية كلّ شهر للحصول على راتبه المقدّر ب 255 دينارا، لقاء عمله ليعيل زوجته المقعدة وأبناءه الثّلاثة دون أن يعي أنّه يتعامل يوميّا مع أمراض قاتلة تتجاوز تلك التي تتسبّب فيها الفضلات بصفة عامّة”.
“كان عامل النّظافة التابع للمستشفى يرتدي ثيابا عاديّة ويتعامل بنوع من اللّامبالاة مع أكياسه السّوداء التي تتخلّلها في بعض الاحيان أخرى صفراء مخصّصة للنفايات الطبيّة الخطيرة كما يشير التنبيه المكتوب عليها. فالسنوات ال 22 التي قضّاها مع هذه الفضلات الصحيّة كانت كفيلة بإفقاده حسّ إستشعار الخطر المتأتّي منها حيث كان الماء وسيلته الوحيدة لاتّقاء شرّ الأمراض المتربّصة به”.
“تلك الاكياس السّوداء التي يجمعها هذا العامل ذو ال 70 عاما لم تكن تحوي مجرّد فضلات منزليّة، بل كمّية من إبر الحقن وأعضاء بشريّة في بعض الأحيان، لتبرز كتهديد لا يحسن هذا العامل فهمه جيّدا ولم يتم تنبيه من قبل المشرفين على المستشفى أو الاطبّاء العارفين بمدى الخطر الذي تمثّله تلك النفايات الصحيّة والإستشفائيّة والمصنّفة بأنها خطيرة جدا”.
ومن الملاحظ أن النفايات التي يجمعها العامل تحوي نفايات عامة منزلية وتحتوي ايضا نفايات طبية خطرة وهذا بسبب أهمال الحلقة الأولي للمنتج للنفايات في المستشفى مثل الطواقم الطبية من تمريض وأطباء وفنيين وغيرهم من العاملين بالمستشفى وهذا من المفروض أن لا يكون، وهذا ناتج أما عن جهلهم بالطرق العلمية لفرز وفصل النفايات الأنشطة الطبية أو هو أهمال منهم وعدم مبالاة منهم بسلامة الأخرين بسبب عدم وجود عقويات عليهم. فيكون الخطر كبير على العاملين في جمع ونقل النفايات الطبية.
في بعض الأحيان كما ذكر التحقيق في هذه الحالة بالذات أن العمال النظافة مثل هذا العامل ذو ال 70 سنة يقومون بفصل النفايات العامة والتي يتم رفعها بواسطة سيارات البلدية عن النفايات الطبية المجمعة في الأكياس الصفراء في ساحة التجميع المؤقت والتي يتم احيانا نقلها بواسطة سيارات شركات المعالجة النفايات الطبية المتعاقدين معها.
حيث تتم عمليات الفصل بدون وجود ملابس وقاية شخصية للعاملين وبدون أخذ أبسط إجراءات الوقاية ومكافحة العدوى وبدون الخضوع لإبسط شروط السلامة المهنية للعاملين في هذا المجال معرضين أنفسهم يوميا لخطر العدوى الجرثومية.
مايقوم به هولاء العمال من أعمال تعارض مبداء ”وجوب الرعاية“ (Duty of Care Principle) وهي من المباديء الخمسة الدولية الرئيسية والمتعارف عليها لإدارة النفايات الرعاية الصحية الطبية (International Principles of Waste Management)، والتي تقول فيها: كل شخص يتعامل مع النفايات الخطرة أو مشتقاتها من نقل وجمع وتخلص يكون مسئول على أخذ أقصى الإجراءات الاحترازية الضرورية للسلامة والوقاية منها، وهو المسئول من الناحية الأخلاقية عن الاهتمام الجيد بهذه النفايات ما دامت تحت مسؤوليته.
عمال بسطاء مثل هذا العامل لا يدرون ماتحتويه تلك الأكياس السوداء والصفراء من إبر وحقن وأعضاء بشرية، عمال لم يتم نصحهم وتعريفهم على مدى خطورة تلك النفايات وما قد تسببه من ضرر جسدي ومعنوي ونفسي، عمال لا يعرفون الفرق بين الأمراض الفيروسية المنقولة بالدم، فلا يعرفون الفرق بين فيروسات تليف الكبد وبين فيروس الإيدز ولا يعرفون الفرق بين البكتيريا والفيروس والفطر لأنه لم يقم شخص بأعلامهم وشرح ذلك لهم.
عمال لم يتم تدريبهم نهائيا على كيفية جمع ونقل تلك النفايات الخطيرة بالطرق السليمة، عمال لم يتم تثقيفهم على كيفية تفادي حالات وخز الإبر أو حالات تناثر السوائل والدماء أو كيف يتعاملون مع تلك الحالات في حالة حدوثها لا قدر الله، عمال لم يتم تدريبهم على كيفية التعامل مع الانسكابات والدماء، عمال لم يتم تزويدهم بالمطهرات ومواد التنظيف لإنجاز عملهم وحمايتهم ولم يتم إعطائهم الملابس الواقية والكمامات والقفازات.
عمال بسطاء جدا لا يفقهون أبسط سبل الوقاية والحماية من مخاطر هذه النفايات الخطيرة والسبب ببساطة جدا يقع على كاهل من قام بتشغيلهم في هذا العمل من المشرفين أو الأطباء العارفين بمدى الخطر الذي تمثله النفايات الطبية. عادة يتم تشغيل مثل هولاء العمال فقط للتعامل مع النفايات المنزلية أو الشبيه بالمنزلية والتي لا تشكل خطورة كبيرة ولكن يتم تشغيلهم بالمستشفيات لفرز وفصل النفايات فهذا لا يجوز، ففي المؤسسات الصحية وبسبب عدم وجود نظام فرز جيد أو بوجود أهمال الطواقم الطبية بالمستشفيات وعدم المبالاة فتكون النفايات مختلطة مما يجعلها خطيرة جدا عليهم.
ذكر الصحفي في تقريره عدة إصابات مهنية للعاملين بالنظافة بسبب وخز الإبر على الرغم من أنه أكد أنه في تونس لا توجد بها إحصائيات دقيقة توتق عدد الإصابات بفيروس الإلتهاب الكبدي أو غيره من الأمراض والفيروسات جرّاء الإحتكاك بالنّفايات الطبيّة الخطيرة والتعامل معها. إصابة عامل (محمّد علي الطّرابلسي)، بوخزة إبرة مستعملة في مكب نفايات، بحكم عمله، في قدمه. وكغيره من العَمَالَ لم يُبال بالوخزة ولم يُولها أي أهميّة تذكر. وبعد مدّة أُصيبت قدمه بالتّعفّن واضطرّ الأطبّاء لقطع جزء منها لإيقاف التعفّن. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ بل أصيب بالعمى نظرا لكونه يشكو من مرض السّكّري.
كما ذكر التحقيق عامل أخر (عبد الباقي عبد اللّاوي) يعمل في بلديّة بن عروس، تعرّض هو الآخر الى وخزة إبرة في إصبعه وتمثّلت ردّة فعله في نزع الإبرة ومواصلة العمل ولكن بعد مدّة قصيرة أصبح غير قادر على تحريك يده. وبعد معاينته من طرف طبيب مختصّ تبيّن أنّ الّسبب يكمن في وخزة الإبرة المستعملة مما سبب له التوقف عن العمل لمدّة 7 أشهر من أجل التفرّغ للعلاج.
كما ذكر التحقيق إصابة عامل أخر بالسرطان والسّبب يعود لطبيعة عمله، حيث يتمثّل عمله في تسهيل تجميع وتصريف المياه التي تفرزها الفضلات بالمصب، ومن بينها النفايات الطبيّة، ما يجعله مضطرّا للنّزول بصفة متكرّرة في أحواض مياه النّفايات. هذا النشاط تسبّب له، وفق شهادته المدعومة بملف طبّي، في الاصابة بمرض السّرطان
هذه عينة بسيطة لأربعة عمال في تحقيق صحفي واحد، والصورة (ونحن متأكدين من ذلك) لا زالت أكثر مأسوية في غالبية الدول العربية وخاصة الفقيرة منها، فهذه الشريحة من العمال يعتبرون الأكثر تهميشاً ونسياناً في مجتمعاتنا العربية، لانهم يعتبرون في أدنى سلم الوظائف بالمقارنة بالوظائف الأخرى، على الرغم من أهميتهم في مجتمعاتنا، فغياب عامل جمع ونقل النفايات تأثيره مباشر ويلاحظ في نفس اليوم في شوارعنا ومؤسساتنا أما غياب أعلى سلم في الوظائف مثل الوزراء قد لا يلاحظ لفترات طويلة جدا تصل لأشهر.
لهذا دائما ندعوا السلطات وصانعي القرار ومن لهم نفود في الدولة الأهتمام بعمال النظافة سواء كانوا عاملين في أعمال التنظيف الروتينية أو العاملين في جمع النفايات أو العاملين في نقل النفايات أو العاملين في معالجة النفايات أو العاملين في التخلص النهائي بالمكبات والمطامر الصحية، فسلامة هولاء من الضروريات لأنهم هم من يقومن بالحرب بدل عنا ضد المخاطر وجعل مجتمعاتنا نظيفة من الأوساخ وحياتنا أمنة من الأمراض.
المرجع: مجدي ورفلي تحقيق صحفي بعنوان: اخلالات في معالجة النفايات الاستشفائية تعرض حياة الناس للخطر”. 14 ديسيمبر 2014. (https://inkyfada.com/ar/2014/12/14)
حزينة جدا لوضع العامل في بلداننا لاهو بعي خطورة عمله ولا المسؤولون يحافظون على صحته بقوانين رادعة.
أوفقك الرأي دكتورة رشا وضع العمال في بلداننا العربية سيء جدا، وخاصة في هذه المهن، لعدم وجود قوانين تحميهم، أبسط الأشياء لا يوجد تبليغ عن الحوادث المهنية التي تصيبهم، ولا يوجد تأمين صحي لهم وهذا ابسط الأمور.