ما هي النفايات الخطرة؟
وجاءت هذه الصناعات بعد ظهور معظم الاكتشافات في مجالات الطاقة البخارية والكهربائية وغيرها من الاكتشافات الكبري التي ساعدت في أنشاء صناعات مختلفة في كل المجالات، البعض منها صناعات ثقيلة كصناعات الحديد والصلب والمعادن بمختلف أنواعها والأسمنت والبتروكيماويات والمبيدات والصناعات الصيدلانية والزيوت المعدنية ومواد البناء والمركبات الآلية بشتى أنواعها.
بالإضافة للصناعات الصغرى والخفيفة كمصانع الأغذئية والملابس والصناعات الجلدية والتقليدية، البعض منها يدار بواسطة الدولة والبعض الأخر يدار من قبل الأفراد والعائلات الصغيرة، انتشار كبير بحيث لن تجد مدينة كبيرة أو صغيرة لا تخلو من المصانع بشكل من الأشكال.
يوجد حاليا في الأسواق حوالي 248000 منتج كيماوي يتم تداولها تجارياً، وكل منتج منها جاء من عدة مصانع. هذا الأنتشار الكبير في الصناعات رافقه أنتاج نفايات تختلف بأختلاف الصناعات، نفايات صلبة وسائلة وغازية، نفايات خطيرة ونفايات أقل خطورة. في البداية كانت الكميات قليلة وكانت سبل التخلص منها متاح وأراضي الردم متوفرة ولكن مع الزمن وزيادة انتاج النفايات وتراكمها وزيادة كلفة التخلص منها وقلة الأراضي المتاحة أصبحت مشكلة التخلص من النفايات تمس الجميع، رافق ذلك ظهور دراسات وأبحاث علمية أثبتت بدون مجال للشك مضار تلك النفايات، تلك الدراسات والابحاث دقت ناقوس الخطر وكانت نتيجة حتمية بسبب ظهور كوارث بيئية سببت الضرر للإنسان والمجتمعات المحيطة بتلك الصناعات، والقصص في هذا المجال كثيرة جدا، من أشهرها قصة سكان قرية على شاطيء خليج ميناماتا في جنوب غرب اليابان سنة 1956 حيث كان معظمهم من الصيادين يعتمدون على مياه الخليج كمصدر رئيسي للغذاء وكسب الرزق. وكان قربهم مصنع يقذف نفاياته المحتوية على الزئبق في مياه الخليج منذ سنوات فتلوثت الكائنات البحرية بمركب تراكمي سام جداً (ميثيل الزئبق) فسبب أضرار وضحايا في الإنسان والحيوانات كالقطط والكلاب والطيور وكل من استهلك تلك الكائنات البحرية. منذ ذلك الوقت تنبهت المجتمعات للمخاطر الصناعات الكيميائية وأصبحت تنظر بجدية لهذه المشكلة.
معظم النفايات الخطرة تتكون من كيماويات سامة تصل للبشر وغيرهم من الكائنات عبر اطلاقها إلى البيئة بسبب النشاطات البشرية كأستخدام المبيدات الحشرية والنباتية وأسمدة تقوية التربة تطلق إلى البيئة مباشرة إلى الهواء أو المياه أو التربة، ايضا يمكن أن تنتج النفايات من خلال الصناعات الثقيلة والتعدين إلى البيئة المحيطة سواء أكانت غازات سامة المثمثلة في الأبخرة السامة للمصانع أو سوائل صرف صحي ضارة نتيجة تلك الصناعات أو على شكل نفايات صلبة كمخلفات وبقايا تلك الصناعات. والمعروف أن ضرر هذه النفايات لا يقتصر على منطقة تواجدها بل أنها تنتقل إلى كل مكان عبر الهواء والماء إلى مسافات كبيرة فهي تعبر الحدود الأقليمية بسهولة جدا ولا يمكن إيقافها.
أصبح التلوث الكيميائي يهدد حياة البشرية، ومشكلته ليس تأثيره على الإنسانية فقط بل على النظم البيئة الأئكولوجية ككل، تأثيره المدمر على المدى البعيد بجرعات قليلة أو على المدى القصير نتيجة جرعات قاتلة من نوع واحد من الكيماويات أو مجموعة مختلطة.
حاليا في العالم، أكثر من 90% من العينات المأخودة من المياه والأسماك للبيئة البحرية ملوثة بالمبيدات، والتقديرات تقول أن 3% من العمال بقطاع الزراعة يعانون من تسمم حاد بسبب المبيدات كل سنة، والتلوث بالملوثات العضوية الثابتة (persistent organic pollutants, POPs) قد انتشر بشكل كبير في العالم حتى وصل إلى قطبي الأرض الشمالي والجنوبي.
حجم الأنتاج العالمي من النفايات الخطرة في تزايد مستمر وحسب بعض الأحصائيات لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 1990 ذكر أن ما تنتجة أمريكا فقط من النفايات الخطرة يصل إلى 275 مليون طن سنوي والدول الأوروبية حوالي 160 مليون طن وهذه الأرقام هي تقديرات تخمينية والارقام الحقيقة تفوق ذلك بكثير، بصفة عامة الدول الصناعية هي أكبر ملوث للكوكب فهي تنتج أكثر من 95% من النفايات الخطرة في العالم. وبالتأكيد الأرقام أكثر هذه السنوات وفي تزايد بسبب حجم الصناعات المأهول يوم بعد يوم.
لتوضيح حجم الكارثة التي تواجه هذا الكوكب سوف أذكر إحصائيات نوع واحد من النفايات الخطرة والتي ذكرتها منظمة الفاو (UN Food and Agriculture Organization) في أحدى تقريراتها “أن كمية المبيدات المنتهية الصلاحية في أفريقيا والشرق الأوسط تقدر بـ 100000 طن وفي أسيا حوالي 200000 طن وفي أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي سابقاً أكثر من 200000 طن”. وفي تقرير المنظمة أيضأ أن ما تم التخلص منه من مبيدات قديمة وغير مستعملة يصل إلى 500000 طن. فهل يستطيع هذا الكوكب تحمل هذه الكميات الضخمة؟.
هذه الأرقام التي ذكرتها لنوع واحد فقط من النفايات الخطرة فماذا عن الألف الأنواع الأخرى من النفايات الخطرة كالنفايات المشعة والنفايات المعادن الثقيلة والنفايات الجرثومية المعدية وغيرها الكثير. أنها أرقام مأهولة ولا يستطيع هذا الكوكب تحمله بحال من الأحوال، فهل هناك سبل لتخليص الأرض من كل هذه النفايات بدون الأضرار به؟.
كل الدول أصبحت تنظر لهذه المشكلة بجدية فوضعت لوائح وقوانين الهذف منها تنظيم عملية التخلص بحيث تحمى الأرض والمواطنين فوقها من أضرار تلك النفايات. فكانت طرق الردم والتي اثبتت عجزها عندما حدتث تسربات من تلك النفايات الخطرة إلى طبقات الأرض السفلى ووصولها ألى مياه الشرب، وايضا عدم وجود مساحات فارغة تستوعب تلك الكميات في دول عدد سكانهم يتزايد بأستمرار فأصبحت هذه الطريقة في التخلص غير مجدية. فتوجهت الكثير من الدول إلى المحارق للتخلص من تلك النفايات الخطرة فأتبتت هذه الطريقة أيضا عجزها بعد عدة سنوات، فهي من جهة تقلل من النفايات الصلبة ولكنها تخلق لدينا نوع ثاني أكثر سمية واسرع في الانتشار وهي الأبخرة السامة الناتجة عن عملية الحرق كالديوكسين السام، وكلما حاول البعض استحداث طرق لتصفيت تلك الأبخرة باستخدام الفلاتر والمصفيات وغيرها من التقنيات إزدادت تكلفة التخلص، بالإضافة لذلك فالعديد من الدراسات أثبتت ضرر هذه المحارق حتى بوجود تلك الفلاتر والمصفيات، مما جعل معظم الدول تغلق محارقها ومنعت استخدامها نهائيا على أرضيها. فتوجهت الدول لطرق أخرى ومعظمها لم يجدي نفعاً. حتى أقترح البعض بأن تشحن تلك النفايات ويتم ارسالها عبر صواريخ إلى الفضاء الخارجي للتخلص منها (؟)، ايضا هذه الطريقة لها عيوبها وأضرارها وتكلفتها العالية.
كما أسلفنا وبسبب زيادة التكلفة المالية لعمليات المعالجة والتخلص من النفايات الخطرة ظهرت عدة شركات تتاجر في هذه العمليات، فزدادت أسعار معالجة النفايات الخطرة الأمر الذي جعل البعض من الشركات يبحث عن منافذ أقل تكلفة فنشطت عمليات التهريب وأصبحت رائجة جدا خلال العقود الماضية. تهريب النفايات الخطرة شمل كل دول العالم من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة والتي تعاني عجز مالي يجعلها تصبح مكب نفايات لدول أخرى وبسبب الفساد الأداري لديها وبسبب عدم وجود قوانين صارمة لمثل هذه المشاكل، وحتى الدول الغنية فيما بينها لم تسلم من أحتيال بعض الشركات الجشعة فارسلت نفايات خطرة لدول مجاورة بأعذار واهية.
لكل ما سبق وبسبب الضغط المتزايد لإيقاف هذه التجاوزات من قبل الأفراد والمنظمات عقدت عدة إتفاقيات ومعاهدات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة تنظم مثل هذه الاعمال وتقننها. من ضمن هذه الاتفاقيات الدولية إتفاقية بازل بسويسرا في مارس 1989 وهي إتفاقية في شأن التحكم بنقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود. تلا ذلك سلسلة من الاجتماعات لتحديد المسؤولية القانونية وتعويض الضرر الناتج عن حركة النفايات الخطرة عبر الحدود. وفي 5 مايو 1992 أصبحت الاتفاقية نافذة المفعول.
من ضمن الأشياء التي تطرقت لها الأتفاقية هو السؤال
“ما هي النفايات الخطرة؟”.
حددت اتفاقية بازل النفايات الخطرة في المرفق الأول للاتفاقية بما يأتي
• النفايات الطبية في المستشفيات والمرافق الصحية.
• النفايات المتخلفة عن انتاج المستحضرات الصيدلانية وتحضيرها.
• النفايات من المستحضرات الصيدلانية والعقاقير والأدوية.
• النفايات المتخلفة عن انتاج المبيدات البيولوجية
• النفايات المستحضرات الصيدلانية النباتية وتجهيزها واستخدامها.
• النفايات المتخلفة عن صنع المواد الكيميائية الواقية للأخشاب والمذيبات العضوية.
• النفايات المتخلفة عن المعالجة الحرارية وعمليات التطبيع المحتوية على السيانيد.
• نفايات الزيوت المعدنية غير الصالحة للاستعمال المعدة له أصلاً.
• نفايات الزيوت/ والمياه، ومزائج الهيدروكربون/ المياه.
• نفايات المواد والمركبات المحتوية على ثنائيات أو ثلاثيات الفينيل ذات الروابط الكلورية أو البرومية المتعددة.
• نفايات الرواسب القطرانية الناجمة عن التكرير والتقطير والمعالجة بالتحلل الحراري.
• النفايات الناتجة عن انتاج وتجهيز واستخدام الأحبار والأصباغ والمواد الملونة والدهانات وطلاء اللك والورنيش والراتينجات والملونات والغراء والمواد اللاصقة.
• نفايات المواد الكيميائية الناجمة عن الأبحاث أو النشاطات التعليمية، اذ تكون جديدة أو غير مصنفة ولا تعرف آثارها على الانسان أو البيئة.
• النفايات ذات الطبيعة الانفجارية التي لا تخضع لتشريع آخر.
• النفايات المتخلفة عن انتاج وتجهيز واستخدام المواد الكيميائية الفوتوغرافية.
• النفايات الناتجة عن المعالجة السطحية للمعادن واللدائن.
• الرواسب الناجمة عن عمليات التخلص من النفايات الصناعية.
• النفايات التي تدخل في تركيبها المواد الآتية: الكربونات المعدنية، البريليوم ومركباته، مركبات الكروم السداسية التكافؤ، مركبات النحاس والزنك، الزرنيخ ومركباته، التلوريوم ومركباته، الزئبق ومركباته، الثاليوم ومركباته، الرصاص ومركباته، السلنيوم ومركباته، الكادميوم ومركباته، الانتيمون ومركباته، مركبات الفلور غير العضوية في ما عدا فلوريد الكالسيوم، مركبات السيانيد غير العضوية، المحاليل العضوية أو الأحماض في الحالة الصلبة، المحاليل القاعدية أو القواعد في الحالة العلمية، الأسبستوس، مركبات الفورسفور والسيانيد العضوية، الفينول ومركباته بما في ذلك الكلوروفينول، مركبات الأثير، المذببات العضوية المهلجنة وغير المهلجنة، مركبات الهالوجين العضوية.
بصفة عامة النفايات الخطرة هي كل نفايات بها هذه المزايا
- نفايات قابلة للانفجار أو الاشتعال أو الاحتراق التلقائي.
- نفايات تطلق غازات قابلة للاشتعال عند ملامسة الماء.
- نفايات تطلق غازات سامة عند ملامسة الهواء أو الماء.
- نفايات تتضمن المؤكسدات وبروكسيدات العضوية.
- نفايات تتضمن مواد سامة
- نفايات تتضمن مواد معدية
- نفايات تتضمن مواد أكالة أو قادرة على انتاج مادة أخرى بعد التخلص منها،
- النفايات التي يعتبرها التشريع المحلي، في بلد التصدير أو الاستيراد أو العبور، نفايات خطرة، وأن لم تكن مذكورة أعلاه.
وتستثني اتفاقية بازل النفايات المشعة التي تخضع لنظم دولية أخرى، وتلك الناجمة عن العمليات العادية للسفن والتي تشملها شرعة دولية أخرى.
كما تركز الاتفاقية على مبدأ
- الحق الكامل لأي دولة في منع استيراد النفايات الخطرة.
- تلزم الاتفاقية كل دولة وقعتها ألا تسمح لأية شحنة من النفايات الخطرة بالتوجه الى دولة منعت أستيرادها أو لا تملك الوسائل الضرورية للتخلص منها بطريقة سليمة بيئياً.
- تعتبر نقل النفايات الخطرة على نحو غير قانوني عملاً اجرامياً،
- توجب على الدول الموقعة سنّ قوانين تمنع التجارة غير المشروعة بالنفايات الخطرة وتعاقب مرتكبيها.
- تفسح الاتفاقية المجال لعقد اتفاقية ثنائية أو جماعية أو اقليمية لتحريم نقل النفايات الخطرة.
- تضمن تبادل المعلومات حول نقل النفايات عبر الحدود،
- تفرض على مصدّر النفايات الخطرة الحصول على موافقة خطية رسمية من الدولة المستقبلة قبل البدء بعملية الشحن، على أن يكون قدم لائحة مفصلة ودقيقة بمحتويات الشحنة. كما تلزم الدولة المصدرة التأكد من أن التخلص من النفايات الخطرة سيتم بطريقة سليمة بيئياً.
- دعت اتفاقية بازل الدول المتقدمة الى تقديم المساعدة الفنية والتجهيزات اللزمة للدول النامية لمعالجة النفايات بطريقة سليمة بيئياً.
هذه الاتفاقية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية الأخرى سواء أبرمتها دول تحت غطاء منظمة الأمم المتحدة أو كانت بين الدول فيما بينها هي مجهودات وضعت للحد من دمار هذه الملوثات ولأنقاد هذا الكوكب قبل حدوث كارثة تكون نتائجها وخيمة على الجميع، فالثلوت سيصل الجميع عاجلا أم أجلاً، وما ينتجه الإنسان بيده سيدمر بيئته وفي زمن قياسي، ما صنعه الإنسان من مواد كيميائية خلال جيل واحد فقط أزداد بنسبة 40% من 1 مليون إلى 400 مليون طن. والكميات في تزايد مستمر، فكمية 13 طن من النفايات الخطرة ترمى كل ثانية واحدة في بيئتنا، هذا الرقم لا يستطيع الأنسان العاقل تخيله ولا يستطيع هذا الكوكب تحمله.
المراجع:
اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود. برنامج الأمم المتحدة للبيئة. الأمم المتحدة
النفايات السامة القصة الكاملة، مجلة البيئة والتنمية، العدد أيلول/ تشرين الأول 1996 .
اترك تعليقاً