إدارة نفايات الرعاية الصحية: مشكلة صحية عامة مهملة ومتنامية في جميع أنحاء العالم
تعاني معظم دول العالم وخاصة دول العالم الثالث (متوسطة وقليلة الدخل) في أفريقيا وأسيا وأمريكا الجنوبية من سوء إدارة المخلفات الطبية الأمر الذي نتج عنه مشاكل صحية وأضرار على البيئة والأفراد.
خلال سنة 2009 أصيب 240 شخص في ولاية غوجارات الهندية بالتهاب فيروسات الكبد البائي (HBV) عقب تلقيهم رعاية صحية استخدمت فيها حقن وإبر مستعملة اشتريت من السوق السوداء (Solberg 2009). وتأكيد على هذه النقطة، وخلال تحقيقات إجريت في الهند خلال سنة 2004 من قبل شبكة علم الأوبئة السريرية الهندية (The Indian Clinical Epidemiology Network) أن أكثر من 30% من عدد 3 إلى 6 مليار حقنة تعطى كل سنة في الهند تم إجراؤها باستخدام ادوات مستعملة، ومثل هذه الممارسات قد ذكرت في حوالي أكثر 10% من المرافق الصحية على صعيد الهند (Harhay et al., 2009).
في كابول افغانستان سنة 2008 حدتث إصابات معدية للإفراد بسبب نبشهم لمكبات نفايات البلدية التي كانت تحتوي على بقايا حملة تطعيم جماعية ضد شلل الأطفال (Polio). وعند إجراء تحقيقات حول هذه الحادثة وجد أن أفغانستان من الدول التي تفتقر إلى اللوائح التي تنظم الإدارة السليمة الآمنة للمخلفات الطبية وأن أكثر من 60 مستشفىات في كابول ليس لديهم القدرة على المعالجة أو الوصول إلى معدات الأساسية الضرورية للإدارة الجيدة (Reuters News, 2008).
في الورقة العلمية والتي سنناقشها في هذه المقالة للباحث ميشيل هراي وأخرون (Harhay et al., 2009) من كلية الطب بجامعة بنسلفانيا المنشورة في المجلة العلمية (Tropical Medicine and International Health) بعنوان “إدارة نفايات الرعاية الصحية: مشكلة صحية عامة مهملة ومتنامية في جميع أنحاء العالم” حيث قام الباحث بمراجعة وتتبع برامج اربعين دولة من دول العالم الثالث (متوسطة وقليلة الدخل) من حيث إدارتهم للمخلفات الطبية في المؤسسات والمرافق الصحية والمنهجية التي تتبعوها في ذلك من خلال مراجعة 87 ورقة علمية منشورة حول إدارة المخلفات الطبية في تلك الدول.
هذه المراجعة كانت لمعرفة مدى التهديدات الصحية التي تعزى إلى نفايات الرعاية الصحية (المخلفات الطبية) وإدارتها في المجتمعات منخفضة ومتوسطة الدخل، بهذف الوصول للثغراث الرئيسية وتحليل جوانب الفشل ومعرفة النقاط المشتركة بينها في تلك الأدارات، والإجابة عن الأسئلة الرئيسية المطروحة عن أهم الأسباب ونقاط الضعف في تلك البرامج وكيفية تحسين وإصلاح الخلل.
أجراء فريق البحث (ميشيل هراي وأخرون) جولة عبر محركات البحث في الأنترنت عن الورقات العلمية التي صدرت في جميع القارات مع التركيز على الدول النامية والمنشورة في عام 2000 والسنوات التي تليها حول الوضع الراهن لتلك الدول من حيث إدارتها للمخلفات الطبية. تم إجراء البحث عن الورقات العلمية بمختلف اللغات المعروفة (الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والبرتغالية) ولم يرتكز على لغة بعينها.
توصل الفريق البحثي من خلال عمله لعدة نتائج بالرغم من التنوع الكبير في الورقات العلمية والأختلاف الجغرافي بين الدول ولكن كانت هناك عدة نقاط مشتركة ومتكررة في معظم الحالات منها الأتي:
أن معظم العمال في تلك الإدارات يفتقدون للتدريب الجيد وليست لديهم خبرة في التعامل مع المخلفات الطبية، ايضا غالبية العمال لم تكن ملابسهم وأدواتهم مناسبة للتعامل مع هذه النفايات وخطورتها، ايضا طرق فصل النفايات كانت غير جيدة أو لا توجد منظومة نهائيا لعملية الفصل والفرز.
وأن طرق الحرق (الترميد) هي الطرق المتبعة في غالبية الحالات لمعالجة المخلفات الطبية، وهي غير جيدة بسبب التحديدات الصحية الضارة للإنبعاثات السامة وعدم التخلص السليم من الرماد وخاصة في البيئات المأهولة بالسكان (المدن) وفي المرافق ذات الموارد المحدودة.
أيضا، أن المحارق التي تم العثور عليها من خلال المراجعة فهي أما قديمة أو غير فعالة، ونتيجة لذلك، يتم في كثير من الأحيان التخلص من المخلفات الطبية مع النفايات العامة للبلدية، وفي أحيان أخرى يتم حرقها أو دفنها في مكان إنتاجها (في نقطة التوليد). وأكثر أسباب فشل المنظومة كان هو عدم وجود تمويل مالي يغطى طرق المعالجة والتخلص سبب في وجود إرتباك وضعف من قبل المسئولين في تعاملهم مع إدارة المخلفات الطبية.
أعطى الباحث أمثلة على المعالجات السيئة للمخلفات الطبية التي تقوم بها بعض الدول (مثل الصين) عندما يتم التخلص من المخلفات بواسطة المحارق فتكون هي سبب في حدوث تلوث بالأبخرة السامة والرماد المتطاير من محارق المخلفات الطبية المحتوية على مستويات عالية جدا من المعادن الثقيلة وغيرها من الملوثات الخطيرة، فقد وصف الباحث استعمال المحارق تلك بأنه “علاج عند الباب الأمامي والتسمم في الباب الخلفي”.
كما ذكر الباحث بأن في العديد من الدول وخاصة في أمريكا الأتينية كمية المخلفات الطبية الناتجة من المنشآت الصحية تفوق القدرات والإمكانيات الإدارية التي لدى الدول لمعالجتها والتخلص السليم منها.
كما توصل الباحث في مراجعته أن هناك تهديدات وتحديات كبيرة في مجال الصحة العامة بسبب التعامل مع المخلفات الطبية في العديد من المدن الكبرى والمناطق الحضرية في أفريقيا وآسياء والشرق الأوسط. ليست تحديات فقط في زيادة المخلفات الطبية من حيث الكمية بل أن الوضع الصحي يتفاقم بسبب طرق التخلص غير الملائمة والموارد المالية غير الكافية وندرة البحوث والدراسات حول سبل تحسين إدارة المخلفات الطبية.
كما خلصت كل الورقات بأن إدارة المخلفات الطبية تحتاج إلى حلول وتحسين وضعها من أصغر جزء في الإدارة وهو تدريب الأفراد والعاملين (Individual Training Programmes) إلى أعلى جزء في هرم الدولة وهو تحسين الحوكمة والإدارة (Governance And Administrative).
يمكن تحسين بعض جوانب إدارة المخلفات الطبية من خلال تدريب الطواقم الطبية على تجنب المخلفات والحد منها، ولكن لا تزال هناك تحديات مالية وبنية أساسية كبيرة وتشمل تكاليف العبوات والحاويات والأكياس المتخصصة والموارد البشرية والقدرات الإدارية والتنظيمية، فضلاً عن أنظمة وتقنيات المعالجة والتخلص النهائي (Disposal Systems And Technologies).
كما أقترح الباحث بأن هناك ثلاث مجالات تحتاج إلى التمويل للتغلب على تلك التحديات:
1- بدائل للحقن والإبر التي يمكن التخلص منها تلقائياً (Auto-Disposable Syringes)، والتي لا يمكن استعمالها إلا مرة واحدة أو التي لا يحدث عنها حالات وخز وخدش للجلد.
2- تحسين أدوات التشخيص (Diagnostic Tools) في المرافق الصحية لتقليل من الكميات المنتجة من المخلفات الطبية.
3- أستحدات تقنيات رخيصة لتعزيز أساليب المعالجة والتخلص الحالية.
كما ذكر بأن النمو وزيادة في أنتاج المخلفات الطبية وسوء التخلص منها يمثلان تهديدا كبيرا في العديد من الدول التي قام بمراجعة ورقاتها العلمية (40 دولة). ايضا البنية التحتية الحالية للأشغال العامة لإدارة المخلفات الطبية غير كافية وهذا المجال بالذات غارق في التحديات النمو السكاني والتوسع العمراني. حيث وجد أن ستة بلدان (الصين والهند والبرازيل وباكستان وبنغلادش ونيجيريا) والتي تعتبر من الدول الأكثر اكتظاظاً في العالم تواجه أعباء كبيرة فيما يخص إدارة المخلفات الطبية وهذا معناه وجود أكثر من 50% من تعداد سكان العالم الحاليين وضعهم البيئي حرج ويوجهون مخاطر كبيرة على الصحة العامة.
حتى أن ضعف إدارة المخلفات الطبية أصبحت ذات صلة وثيقة مع عدة مجموعات سكانية التي تنمو أنشطتها الصحية دون وجود أساس سليمة ومستقرة لإدارة المخلفات الطبية. علاوة على ذلك، كما أتضح من منشورات الصادرة عن البرازيل والهند، أن هناك تحديات كبيرة تواجه العديد من الدول فيما يخص المخلفات الطبية المتولدة في دور رعاية المسنين وعيادات الأسنان ومراكز الرعاية الصحية المنزلية في دول تعاني الشيخوخة السكانية وتزايد أعداد المرضى الذين يعيشون مع الأمراض المزمنة.
وأخيرا، أكد الباحث أنه من الضروري الأهتمام بزيادة الوعي العام وتحسين قدرة الأهالي والسكان في التخلص من النفايات الصيدلانية مثل المضادات الحيوية والأنواع الأخرى من الأدوية ذات الآثار البيئية والصحية على المجتمعات، وكذلك توعيتهم بخصوص التخلص من النفايات الطبية السائلة الملوثة بالمعادن الثقيلة من خلال شبكات الصرف الصحي غير المتطورة والمتهالكة. وهذا التوجه ذو أهمية كبيرة وخاصة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية حيث المياه شحيحة، والعدوى المنقولة بالماء مرتفعة.
كما أكد أيضا، أن هناك حاجة ماسة إلى المزيد من البحث والأهتمام بالنتائج التي اصبحنا نلمسها من التقدم وتطور الخذمات الرعاية الصحية وذلك لمعالجة وفهم هذه التهديدات المتنامية على الصحة العامة في جميع أنحاء العالم.
References
Solberg KE (2009) Trade in medical waste causes deaths in India. Lancet 373, 1067.
Reuters News (2008) Afghanistan: Medical Waste Poses Health Risk in Urban Areas, 14 October 2008. Available via Reuters News. http://www.alertnet.org/thenews/newsdesk/IRIN/ fb0b02c252800fd18716034303f6dcc4.htm. Accessed 1 May 2009. Michael O.
Harhay, Scott D. Halpern, Jason S. Harhay and Piero L. Olliaro (2009). Health care waste management: a neglected and growing public health problem worldwide. Tropical Medicine and International Health. volume 14 no 11 pp 1414–1417 November 2009
اترك تعليقاً