Skip to main content

بوأخر السموم تجوب المتوسط

منذ صدور إتفاقية لندن (London Convention) في 1993 والتي تمنع التخلص من النفايات الصناعية والمشعة في المحيطات والبحار انتشرت التجارة الغير القانونية للنفايات الخطرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط من الدول الصناعية إلى دول العالم الثالث.

هذه المقالة ستتطرق للتقرير منظمة السلام الأخضر العالمية (Greenpeace) الذي صدر في يونيو سنة 2010 بعنوان “بواخر السموم ” وهي نتاج خبرة عشرون سنة من محاربة المنظمة لهذه التجارة المحرمة دولياً (تجارة النفايات السامة) ومطاردة الفاعلين وتعريتهم للرأي العالمي. هذا التقرير ركز على الأختراقات التي تقوم بها الشركات الصناعية الإيطالية فقط للتخلص من سمومها في دول العالم الثالث ولم يتطرق لباقي الدول الصناعية الأوروبية.

حسب ما ورد في التقرير أن منظمة السلام الأخضر قامت ما بين سنتي 1988 – 1994 بتعرية 94 تجارة فعلية (أو مخطط محاولة) لتصدير النفايات السامة إلى أفريقيا وهي ما يساوي حمولة 10 مليون طن نفايات سامة (من ضمنها نفايات مشعة). كانت وجهتها دول العالم الثالث إلى حكومات ضعيفة أو دول تعاني من قلاقل وأضظرابات داخلية مثل الصومال والكونغو وهايتي ونيجيريا وغينيا الأستوائية ولبنان خلال الحرب الأهلية.

كما ذكر التقرير بأن هذه التجارة المحرمة أصبحت شبكة عالمية تورطت فيها العديد من الشركات الصناعية وشركات معالجة النفايات الخطرة والأفراد والحكومات وأن هذه الشبكة في توسع كبير نظرا للأرباح الكبيرة وكمية الأموال المتداولة بينهم، هذه الشبكة مابين سنتي 1987- 1996 أجرت عدة محاولات للتخلص من النفايات الخطرة في دول مثل غينيا والسلفدور ورومانيا ولبنان ونيجيريا والمكسيك والبرغواي والصومال وفنزويلا والبرازيل، أحد الفروع الرئيسية لهذه الشبكة في إيطاليا تتكون من 26 شركة تقوم بالتعامل يوميا مع كمية تصل إلى 3000 طن بقيمة 4.8 مليون دولار نفايات سامة.

هذه الشبكة تقوم بأعملها الغير القانونية بعدة طرق منها عبر تزوير أوراق الشحنات في المؤاني أو التلاعب بسجلات السفن وتزوير الوثائق القانونية أو تغيير تصنيف النفايات السامة على أنها مواد بناء وغيرها من المواد المقبولة عبر الدول أو الرشوة وشراء الذمم للأشخاص النافذين في الدول والمنافذ حتى يتم تسهيل إجراءات دخول وتنزيل الشحن. وأحيانا كثيرة يحدث أختفاء للسفن المحملة بالنفايات السامة خلال إبحارها من جهة إلى أخرى غير معلومة للتخلص من شحنتها كما حدث لسفينة (Khian Sea) خلال سنة 1989 كانت محملة بشحنة تتكون من 15000 طن من النفايات السامة أفرغت شحنتها في احدى الأماكن المجهولة بعد سنتين من الإبحار في المحيط الهندي و11 محاولة غير ناجحة للتخلص من حمولتها. احد أشهر المؤاني لهذه الشبكة في إيطاليا هو ميناء خليج لاسبازيا (La Spezia) وهو يعتبر من أكثر المؤاني ازدحاما بالحاويات في البحر المتوسط.

بداءت منظمة السلام الأخضر تحقيقاتها على تجاوزات السفن الإيطالية منذ سنة 1987 عندما وصلت معلومات للأعلام من العاملين في مؤاني مرينا دي كرارا (Marina di Carrara) التوسكاني وميناء شيوجيا (Chioggia) عن سفن محملة بشحنات مشبوهة من النفايات الصناعية الخطرة متوجهة إلى رومانيا وأفريقيا، تلك المعلومات حركت الهيئات والحكومات المحلية لإيقاف تلك الشحنات ولكن تلك الدعوات رفضت وقد أمرت الشرطة سلطات المؤاني للأسراع في شحن تلك النفايات حتى لا تصبح تلك الدعوات تظاهرات من قبل الناشطين البيئيين. تلك السفن المحملة بالسموم غادرت إيطاليا إلى وجهاتها ولم تستطيع السلطات المحلية إيقافها نظرا لعدم وجود تشريع يمنع تصدير تلك النفايات إلى خارج الأتحاد الأوروبي.

عدم وجود مثل تلك القوانين والتشريعات الواضحة جعل تجارة النفايات السامة تزدهر خلال تلك الفترة فجعل الكثير من تجار النفايات الغير شرعية (معظمها كيماويات) يشحنون الملايين من الأطنان إلى الدول الفقيرة عبر منظومة تورط بها عدد من المضاربين وتجار النفايات المشبوهين والمحاميين ووبعض الشركات الوهمية أو شركات التغطية في دول مثل سويسرا وبريطانيا.

في تقرير منظمة السلام الأخضر سرد لبعض السفن التي غادرت ميناء مرينا دي كرارا (Marina di Carrara) وميناء ليفورنو (Livorno) محملة بشحنات من النفايات السامة خلال سنتي 1987-88 وهي كالتالي:

1- سفينة لينكس (Lynx): غادرت السفينة ميناء مرينا دي كرارا في فبراير 1987 محملة بشحنة 2000 طن من النفايات الصناعية وكانت وجهتها الأصلية جيبوتي في القرن الأفريقي وكان المسئول عن الشحنة الشركة السويسرية (Intercontract SA) والشركة الإيطالية لمعالجة النفايات (Jelly Wax). ناشطين بيئيين تحركوا وأخبروا سفارة جيبوتي حول الشحنة فتم تحويل وجهة السفينة إلى ميناء بورتو كابلو بفنزويلا حيث منعت السلطات المحلية السفينة من الدخول وتنزيل الحمولة وبعد سنتين أرجعت تلك الشحنة من سوريا (؟) إلى إيطاليا، وعند ضغط الوسائل الأعلامية للشركة السويسرية بخصوص الشحنة أعترف المتحدث الرسمي للشركة بأن جيبوتي ليست لديها إمكانيات التخلص من تلك النفايات الخطيرة، مما جعل منظمة السلام الأخضر تعتقد بأن الوجهة الرئيسية لتلك الشحنة كانت الصومال أو أثيوبيا منذ البداية وليست جيبوتي.

2- سفينة أكباي 1 (Akbay-1): غادرت السفينة ميناء مرينا دي كرارا في 17 إبريل 1987 محملة بشحنة 800 طن من النفايات الصناعية وقد وصلت إلى ميناء سويلينا في رومانيا في 26 إبريل. الشحنة تتكون من بقايا صناعية ونفايات زيوت ومبيدات، وكانت هذه الشحنة جزء من اسطول كبير من السفن سيغادر الميناء، المسئولة عن هذه الشحنات شركات إيطالية في ميلانو (Sirteco srl) وفي فينيسيا (Piattaforma Ecologica Industriale). تم تنسيق لرفع هذه الشحنات إلى رومانيا بواسطة مضارب في بريطانيا (Metrode Ltd) وشركة سويسرية (Eldip) وكانت تقدر الكمية بـ 9000 طن من النفايات الصناعية من مناطق شمال إيطاليا بتكلفة حوالي 7 مليون فرنك سويسري.

3- سفينة رادهوست (Radhost): غادرت السفينة ميناء مرينا دي كرارا في يونيو 1987 محملة بحوالي 2400 طن من نفايات الصناعية من قبل شركة الإيطالية (Lynx). كانت السفينة متجهة إلى فنزويلا ولكن منعت السلطات المحلية السفينة من تنزيل حمولتها، وبعد ثلاث أشهر تم التنسيق لوجهة أخرى فسافرت السفينة إلى ميناء بيروت تحت غطاء شركة لبنانية وبمساعة بعض المليشيات اللبنانية خلال الحرب الأهلية أنزلت حمولتها مقابل مبالغ مالية. ولكن بوصول أخبار تلك الشحنة إلى الميديا وبعض التظاهرات أجبر الحكومة الإيطالية لتحمل المسئولية وإرجاع النفايات إلى المصدر فنسقت العملية مع شركة إيطالية أخرى (Monteco) لإعادة النفايات إلى إيطاليا.

4- سفن كونسكي (Cunski) يافوني أ (Yvonne A) فوريايس سبوردايس (Voriais Sporadais)
ثلاث سفن (أطلق عيها اسم سفن الأشباح) دخلات إلى ميناء بيروت بعد السفينة جولي روسو (Jolly Rosso) المكلفة بنقل النفايات السامة التي تركتها السفينة الأولى رادهوست بعد ما تم الاتفاق مع الحكومة الإيطالية بإرجاع كل النفايات السامة من لبنان ولكن السفينة لم تقوم بحمل كل النفايات السامة حيث كان مقرر ان الثلاثة سفن ستقوم بنقل ماتركته السفينة الأولى. ولكن السفن الثلاثة أختفت تم وصلت أخبار أن السفن قد غرقت في البحر وشائعة أخرى بأن السفن لم تغرق بل قد أغرقت شحناتهم في البحر. وهذه الشائعة أكدها تقرير من الأمم المتحدة بأن سفن مجهولة قد القت شحنات من النفايات السامة في البحر في المنطقة بين لبنان وقبرص وأن سفنتين شوهدت تغادر ميناء بيروت (كونسكي و فوريايس) وقد أفرغت حمولاتها في سفينة ثالثة يعتقد أنها يافوني أ التي أغرقت في البحر المتوسط بعد ذلك مع شحنتها بعد خروجها من خليج ميناء بيروت. صحفي براديو في قبرص أخبر منظمة السلام الأخضر بأنه في سنة 1989 قد سمع خلال تداخله على أتصال بين قبطانين يناقشون عن أفضل مكان لإغراق السفينة، والمنطقة التي يتكلمون عنها تقع ما بين لبنان وقبرص. وقد أنكر الجانب الإيطالي والشركة المكلفة بنقل النفايات السامة أنهم قد تركوا أي نفايات خلفهم في ميناء بيروت.

5- السفينة ريجيل (Rigel): أبحرت السفينة من ميناء مرينا دي كرارا في 9 سبتمبر 1987 بشحنة يعتقد انها بقايا حديد وحجارة وغبار رخام وبعد اسبوعين غرقت السفينة على بعد 20 ميل قرب كلباريا (Calabria) على عمق 3000 متر بدون أي نداء استغاثة، لم يغرق احد من طاقم السفينة وتم نقلهم في سفينة أخرى إلى تونس تم أختفوا جميعهم، بعد عدة سنوات حكمت المحكمة لمالك السفينة لأحقيتهم في التأمين نتيجة غرقها. هذه العملية كلها قادت الجميع إلى الشك والسؤال في “ما هي نوع تلك الشحنة؟” ففي تلك الإيام في نفس الميناء مرينا دي كرارا قد شحنت كمية 10 الألف من البراميل النفايات الخطرة وربما تكون هي نفسها الشحنة وليس كما ورد في أوراقها.

6- سفن Baruluch, Danix, Line, Juergen Vesta Denise: أبحرت هذه السفن من ميناء ليفورنو ما بين أغسطس 1987 حتى أبريل 1988 بعدت شحنات وكانت الكمية الإجمالية تصل إلى 43330 طن من النفايات السامة جمعتها شركتين إيطليتين جلي وكس (Jelly Wax) وأكومار (Ecomar) والوجهة كانت نيجيريا حيث عقد مواطن نيجيري ساندي نانا مع مواطن إيطالي (Gianfranco Raffaelli) كان مقيم في نيجيريا عقد رسمي بينهم على أن يقوم النيجيري بتخزين 8000 برميل نفايات في مزرعته في مقابل 100 دولار في الشهر. وبسبب المشاكل التي حدتث من تلك الشحنات بعد وصولها إلى نيجيريا وتدخل السفارات تم الحكومات مما أجبر الحكومة الإيطالية على ترجيع تلك النفايات إلى إيطاليا. وقد تورط العديد من الأشخاص في هذه الفضيحة وقد سجن البعض منهم.

هذه نبذة بسيطة من تقرير واحد لمنظمة السلام الأخضر على عدد السفن والكميات المشحونة من النفايات السامة في سنة واحدة ومن ميناء واحد، حيث لا ندري عن الدول الأخرى ولا ندري على المؤاني الأخرى، ولا ندري على كل العقود الماضية وما حدث فيها من اختراقات.

ذكر التقرير أيضا بأنه على الرغم عن ما حدث في لبنان أو فنزويلا أو نيجيريا لم ترجع إيطاليا أي شحنة من تلك الشحنات النفايات السامة إلى إرضيها بل تم ارسالها إلى الخارج للتخلص منها في دول ثانية وهذا كم اورده التقرير نقلا عن الحكومة التركية.

medicalwaste.org.ly-2015-112

وأخيراً…. تجارة النفايات السامة… تجارة قذرة ويجب وقفها في الحال ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يراقب دول الأعضاء وشركاتهم الصناعية فهم من يخرقون النظام العالمي وهم من يقومون بثلوث البيئة وهم من يقومون بتدمير هذا الكوكب فلا يعقل أن يكون بلد أنسان ما هو مكب أنسان أخر…مكب نفايات خطرة… كما لهم الحق في بيئة نظيفة لنا الحق كذلك… من حق هذه الدول أن تنافس بعضها في الصناعات ومن حقها أنتاج ما تراه مناسب ومن حقها أن تتسابق فيما بينها للسيادة على العالم ولكن لا يحق لها تدمير بيئتنا وبلادنا وكوكبنا فهي كما تسعى لتحمي مواطنيها وتوفر لهم الحياة السعيدة فلا يجب عليها تدمير الأخرين وقتلهم بشتى أنواع الأمراض والسرطان والتشوهات الناتجة من نفاياتهم السامة التي يصدرونها لدول العالم الثالث.

فمتى يفيق الجميع وينظر لهذه المشكلة بتمعن، فتجارة النفايات السامة يجب أن تكون عقوبتها مساوية لجرائم الحرب ضد الإنسانية. أنها جريمة ضذ البشرية قاطبة ولا تنتهي بالتقادم. الكل يحلم أن تصبح هذه التجارة الخطيرة من قصص الماضي الذي لا نريد أن نتذكره.

References
The toxic ships: The Italian hub, the Mediterranean area and Africa. A Greenpeace report. June 2010
POPs in Africa, Hazardous Waste Trade 1980-2000, Obsolete Pesticide Stockpiles, Greenpeace 2000.
Italian Hazardous Waste in Sinop and Samsun, Turkey, Greenpeace 2002.

تعليقات (2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *