الحقن والإبر المرمية من مدمني المخذرات
Discarded Needles & Syringes of Drug Users
تجدها مرمية ومخفية بين الأعشاب، تجدها في ساحات لعب الأطفال، تجدها على ضفاف الأنهار، تجدها تطفوا على الماء في البحيرات، تجدها بين الرمال على شواطيء البحر، تجدها في الملاعب بين المقاعد حيث يجلس المتفرجين، تجدها في الممرات والأزقة الضيقة، تجدها على جوانب الطرقات في المدن القديمة، ستجدها في المباني القديمة المتهالكة حيث يوجد المتشردين، قد تجدها في كل مكان.
نعم، تلك الحقنة الصغيرة المستعملة والملوثة بدماء مدمني ومتعاطي المخذرات قد تجدها في كل مكان. وهي مشكلة عامة تعاني منها العديد من الدول بدرجات متفاوثة وهذا يرجع لعدد المتعاطيين والمدمنيين في تلك الدول، وأيضا على مدى وعيهم وإحساسهم بالخطر الذي تشكله حقنهم المستعملة الملوثة بالدماء على الأخرين إذا لم يتم التخلص منها بشكل سليم ورميها مع القمامة والنفايات العامة المنزلية.
في مقالة حول هذه المشكلة (المرجع) ذكر بأنه في مدينة سان فرنسيسكو الأمريكية قد جمعت أكثر من 13000 حقنة لمدمني مخذرات مستعملة خلال السنة الواحدة وجدت مرمية على جوانب الطرقات والأزقة والحدائق وغيرها من الأماكن في المدينة. أما في مدينة بورتلند فقد جمعت أكثر من 900 حقنة مخذرات مستعملة مرمية خلال سنة 2016. وفي إحدى مدن ولاية همبشاير الجديدة وجدوا 570 حقنة خلال نفس السنة. وفي منطقة سانتاكروز في كليفورنيا مجموعات متطوعين جمعت أكثر 14500 حقنة خلال اربعة سنوات ونصف، وهذه الأرقام في تزايد،. كما وصفها الكاتب في مقالته “بأنها تمطر إبر” (It’s raining needles) وذلك لحجم وتفاقم المشكلة في الولايات المتحدة الأمريكية.
تعتبر الحقن المستعملة لمدمني ومتعاطيين المخذرات من النفايات الطبية الحادة شديدة الخطورة ومن أكثر الأخطار البيولوجية والتي دائما نحذر منها. وكل أفراد المجتمع، وخاصة الأطفال، هم عرضة لتلك الحقن الملوثة فربما من وخزة بسيطة يصابون بأحد فيروسات الدم القاتلة مثل فيروس مرض تليف الكبد البائي (HBV) أو الجيمي (HCV) أو حتى الإصابة بفيروس نقص المناعة / الإيدز (HIV)، وأيضا لأكثر من 20 جرثومة أخرى تسبب تعفن الدم، كما سيتعرضون كذلك للمادة المخذرة الموجودة والمتبقية في تلك الحقن كالهيروين وغيره.
القصص كثيرة عن إصابات بخدش ووخز الحقن المستعملة في الأطفال. وفي نفس المقالة ذكر الكاتب عدة قصص عن حالات وخز بحقن ملوثة لطفلة صغيرة (11 سنة) تعرضت لها خلال السباحة، وطفلة أخرى (6 سنوات) وضعت حقنة مستعملة مرمية في فمها معتقدة بأنه ترمومتر حراري، أما طفل في مدرسة أبتدائية أصيب بحالة وخز من حقنة مرمية على الأرض وطفل أخر وخزته وهو يمشي على رمال الشاطيء، وفي منطقة أخرى (Santa Cruz, California) قد وردت تقارير على حدوث حوادث وخز بإبر ملوثة لحوالي 12 الشخص في سنة واحدة نصفهم أطفال.
كل الأطفال الذين حدتث لهم حوادث وخز الإبر إجريت عليهم تحاليل للكشف عن الفيروسات الدم وتمت مراقبتهم لعدة شهور وهذا كله كلف مبالغ مالية للدولة وللأسرة مع الوضع النفسي لأولياء الأمور والعائلة بالكامل خلال تلك الفترة. وفي حالة حدوث الإصابة فجميعنا يعرف حجم المعانات وما تسببه تلك الجراثيم من خسائر صحية ونفسية ومالية وغيرها.
عدة دول أقامت خلال السنوات الماضية برامج (Needle Exchange Programs) تهذف منها تزويد المدمنين والمتعاطيين للمخذرات بحقن نظيفة ذات الأستعمال الواحد لتعاطي المخذرات بهذف التقليل من مشاركة المدمنين لنفس الحقنة وبالتالي التقليل من الإصابات بجراثيم الدم وذلك بسبب أن غالبية المدمنيين هم من الطبقة الفقيرة والمتشردين في المجتمع ولا يستطيعون شراء حقن نظيفة، فنجح هذه البرامج في التقليل من أعداد الإصابات بينهم.
ولكن ظهرت مشكلة جديدة وهي كثرة أعداد الحقن المرمية في الشوارع بسبب عدم تخلص المدمنيين من الحقن المستعملة بالطرق السليمة، فكانت تلك الحقن ترمى في كل مكان، الأمر الذي جعلها تقوم بعدة إجراءات منها توفير الحاويات البلاستيكية لتجميع الحقن والإبر وتوزيعها في كل الأماكن كالحمامات العامة وفي محطات القطارات والحافلات وأنشاء صناديق حديدة محمية في الشوارع لجمع الحقن المستعملة. وقامت بحملات توعوية مستمرة الهذف منها حث المتعاطيين على التخلص السليم من تلك الحقن، وحمالات توعوية أخرى لطلاب المدارس لتنبيههم حول هذه المشكلة.
كما شكلت في العديد من الدول مجموعات من المتطوعين ومن لهم دراية بطرق التعامل مع الحقن الملوثة لجمع الحقن من الشوارع والأزقة والأنهار وغيرها وإبعادها على المواطنين. حيث قام المتطوعين من ضمنهم المتطوع السيد ماريسون (الظاهر في صورة الغلاف) لديهم ستة قوارب بإجراء مسح تنظيف على طول نهر مريماك (the Merrimack River) بولاية ماسويشيست الأمريكية على مسافة 188 كم فوجدوا المئات من الحقن المرمية التي عرضها في حوض أسماك كما في الصورة لإظهار حجم المشكلة.
وأخيرا، رمي الحقن والإبر المستعملة من متعاطي المخذرات في الشوارع أصبحت مشكلة تعاني منها معظم دول العالم. الأمر الذي جعلها تسعى لوضع حلول جذرية لها، بسبب تأثيراتها وأضرارها الكبيرة على المجتمعات. نعم، بتأكيد أن شدة ودرجة أستفحال هذه المشكلة في المجتمعات تختلف من دولة إلى أخرى، ولكن كلنا نعاني منها.
منذ سنوات طويلة أخبرني زميل كان يعمل في المركز الصحي التخصصي لمرضى السكر والغذذ الصماء بمدينة طرابلس (المركز القديم بطريق الشط) وأنا إجري دراسة عن إدارة المخلفات الطبية في ليبيا بأن العديد من مدمني المخذرات يأتون ليلاً إلى ساحة تجميع نفايات بالمركز ويبحتون في أكياس النفايات في سبيل الحصول على حقن الأنسولين لأستعمالها في تعاطي المخذرات، الأمر الذي جعل مدير المركز حينها يأمر ببناء حجرة مغلقة تجمع فيها الحقن المرمية من المركز إلى حين نقلها إلى خارج المركز للتخلص منها، حينها كانت تصل كمية النفايات الحادة ألى أكثر من 300 حقنة أنسولين يومياً.
وهذا الأمر أيضا أخبرني به زميل أخر في مركز غوط الشعال للخذمات غسيل الكلى، وهذا حدث منذ سنوات طويلة حين كانت ليبيا تحت الحصار الدولي في أواخر الثمانينات وبداية التسعينيات القرن الماضي، حينها كانت هناك صعوبة في الحصول علي الحقن من الصيديليات وحتى المستشفيات إلا في أكياس قمامة المستشفيات.
References:
“It’s raining needles”: Drug crisis creates danger to public, environment. CBS news. July 17, 2017 / 11:34 Am / Ap
يمككن لك رؤية المقالة عن تعرض الأطفال للمخلفات الطبية الحادة في الشوارع والحدائق في هذا الرابط.
اترك تعليقاً