العولمة والميكروبات الممرضة
منذ بداية التاريخ وهناك علاقة قوية تربط بين الإنسان والميكروبات التي تعيش حوله. في معظم الحالات كانت علاقة سيئة محزنة نتائجها أتسمت بالكوارث الصحية والأمراض نتجت عنها وفيات جماعية ولعل قصص الأوبئة والجوائح التي سببتها تلك الميكروبات من فترة إلى أخرى في كل القارات شاهد على هذه العلاقة القوية. أوبئة حصدت الملايين مثل وباء الطاعون الأسود (Bubonic plague) في القرون الوسطى (1347- 1352) الذي إجتاح أوروبا وحصد أرواح ثلث سكانها في ذلك الوقت قرابة 100 مليون شخص، أو وباء الأنفلونزا العظيم (الأنفلونزا الأسبانية) خلال سنة 1918 في أواخر الحرب العالمية الأولى والذي قتل 50- 100 مليون إنسان خلال عدة أشهر قليلة من سكان قارات العالم بدون أستثناء حتى أن الفيروس المسبب (H5N1) وصل إلى بقع نائية وبعيدة من الأرض وهي الأكثر عزلة وتطرفاً في المناخ بقرى صغيرة في آلاسكا المتجمدة، هذا الوباء أصاب قرابة 500 مليون إنسان حول العالم كمحصلة إجمالية. وحديثاً، جائحة إنفلونزا الخنازير (2009) الذي سببتها سلالة فيروس إنفلونزا (H1N1) والذي أجتاح معظم دول العالم، وكذلك لا يمكن لنا أن ننسى جوائح بكتيريا الكوليرا المتكررة والذي فتكت بالملايين خلال القرن الـ 19- 20 ولا زال هذا المرض إلى وقتنا الحالي يقتل أكثر من 100 ألف شخص سنوياً على الرغم من التقدم الذي شهده العالم في الخدمات الصحية والتحسن في الظروف المعيشية للعديد من الشعوب.
هذه العلاقة بين الإنسان والميكروبات إزدادت قوة خلال العقود الماضية بسبب ما يعرف بالعولمة (Globalization) التي شهدها العالم خلال بداية الألفية الثالثة وهي تحول العالم الكبير إلى ما يشبه القرية الصغيرة لتقارب الصلات بين الأجزاء المختلفة من العالم مع ازدياد سهولة انتقال الأفراد وازدياد الحرية الاقتصادية وقوة العلاقات بين أصحاب المصالح الصناعية في بقاع الأرض المختلفة،. فالعولمة وبمعنى أخر أن تجعل الشيء دولي في مداه وتطبيقه وفي متناول مختلف دول العالم، حيث أصبح الإنسان من خلال العولمة أكثر فأكثر في إلتماس مباشر وتعرض إلى أنواع جديدة من الميكروبات لم يكن يعرفها في حياته وفي بيئته من قبل وهي أكثر خطورة وفتكاً مما كانت عليه في السابق. هذه العولمة جعلت الإنسان (أو بالأحرى أجبرته) على الأحتكاك والإلتماس المباشر مع أنواع جديدة وخطيرة من الميكروبات الممرضة، سلالات لم يتهيء جهازه المناعي للتعامل معها ولم يسبق له الإصابة بها وهذه أحد التأثيرات السلبية للعولمة.
عندما تناقش العلاقة بين الميكروبات الممرضة والإنسان ستجد أن هناك:
أسباب من وراء زيادة إحتكاك الإنسان بالميكروبات الممرضة عن ما كان عليه في السابق. وأسباب أخرى من وراء بروز أنواع جديدة من الميكروبات أكثر ضراوة وفتكاً للإنسان.
ولكن لم تكن كل علاقتنا بالميكروبات هي علاقة سيئة ففي عصرنا الحديث تكونت علاقة تعتبر جيدة بين الإنسان والميكروبات، فقد وجد الإنسان بعض الطرق للأستفادة من الميكروبات في العديد من الصناعات كالصناعات الغذائية حيث تم أستخدام عمليات التخمير التي يقوم بها الميكروب في قطاع صناعة الألبان والخبز وغيرها، أو استخدام الفطريات في إنتاج مختلف أنواع المضادات الحيوية في قطاع الصناعات الصيدلانية وهو الدواء الأكثر أستخداماً والأكثر فاعلية في حرب الإنسان ضد البكتيريا الممرضة، كما أستخدمت الميكروبات في الصناعات الصيدلانية الأكثر تطورا في مجال الهندسة الوراثية في عصرنا الحديث فتم إنتاج بعض المركبات والهرمونات الضرورية لإنقاد الإنسان كالأنسولين والأنترفيرون وغيرها والتي تستخدم في علاج الكثير من الأمراض المستعصية والتي لا يمكن تصنيعها كيميائيا.
References:
Madeline Drexler (2011). What You Need to Know About Infectious Disease. the Institute of Medicine and the National Academies, Office of Communications. the National Academy of Sciences.
Globalization, Wikipedia, the free encyclopedia.
Globalization and disease, Wikipedia, the free encyclopedia.
Lance Saker, Kelley Lee, Barbara Gilmore and Diarmid Campbell- Lendrum. (2004). Globalization and Infectious disease: A review of the Linkage. UNICEF/UNDP/World Bank/WHO, Special Programme for Research and Training in Tropical Diseases (TDR). Geneva, Switzerland.
Stacey Knobler, Adel Mahmoud, Stanley Lemon. (2006). The Impact of Globalization on Infectious Disease Emergence and Control: Exploring the Consequences and Opportunities (Workshop Summary) (2006). Forum on Microbial Threat s. the National Academies Press. Washington, D.C.
عوامل جديدة أخرى أثرت في علاقتنا بالميكروبات الممرضة:
في سلسلة من المقالات التالية سأناقش بعون الله العوامل الجديدة الأخرى التي ظهرت على السطح ولم تكن موجودة في الماضي وكان لها اُثر الأكبر في زيادة الأحتكاك بين الإنسان والميكروبات الممرضة وبالتالي في أنتشار العديد من الأمراض الوبائية في مناطق وبلدان جديدة لم تكن تحدث بها تلك الأمراض في السابق. عناوين هذه المقالات مدروجة تحت وسيكون عرضها في الموقع في مدد زمنية متفاوتة من أسبوعين إلى أربعة أسابيع:
- العولمة والميكروبات الممرضة.
- العالم القرية الصغيرة.
- تأثير النزوح والهجرات البشرية والصراعات المسلحة والحروب الأهلية في انتشار الميكروبات الممرضة.
- الحركة التجارية للمنتجات الغذائية بين دول العالم وانتشار الأمراض المعدية.
- تغير المناخ العالمي وعلاقته بالميكروبات الممرضة.
- الإضطربات في النظم الإيكولوجية وعلاقتها بالميكروبات الممرضة.
- الفقر وسوء الحالة الإقتصادية وعلاقتها بالميكروبات الممرضة.
- حدوث الطفرات الجينية والميكروبات الممرضة.
References:
Globalization and disease, Wikipedia, the free encyclopedia.
Globalization, Wikipedia, the free encyclopedia.
Lance Saker, Kelley Lee, Barbara Gilmore and Diarmid Campbell- Lendrum. (2004). Globalization and Infectious disease: A review of the Linkage. UNICEF/UNDP/World Bank/WHO, Special Programme for Research and Training in Tropical Diseases (TDR). Geneva, Switzerland.
list of epidemics of infectious disease. Wikipedia, the free encyclopedia
Madeline Drexler (2011). What You Need to Know About Infectious Disease. the Institute of Medicine and the National Academies, Office of Communications. the National Academy of Sciences.
Stacey Knobler, Adel Mahmoud, Stanley Lemon. (2006). The Impact of Globalization on Infectious Disease Emergence and Control: Exploring the Consequences and Opportunities (Workshop Summary) (2006). Forum on Microbial Threat s. the National Academies Press. Washington, D.C.
WHO (2008). protecting health from climate change
اترك تعليقاً