Skip to main content

سمية رماد محارق النفايات الطبية

خطورة النفايات الطبية تنشأ عندما يكون هناك سوء تعامل معها في أي مرحلة من مراحل إدارتها سوء في حالة الفرز والجمع أو النقل أو المعالجة أو حتى في مرحلة التخلص النهائي. في هذه المقالة سنتطرق بعون الله لمرحلة مهمة من إدارة النفايات الطبية وهي مرحلة التخلص النهائي والتي تتم عبر طرق الحرق في محارق الخاصة بالنفايات الطبية في المستشفيات، وسنرى إذا كان هناك خطورة عبر دراسة المحتوى الكيميائي للرماد المتبقي من عمليات الحرق.

Toxicity of ash from medical waste incinerators

تعتبر طرق حرق النفايات الطبية من أهم الطرق التخلص النهائي والتي لا زالت تستعمل بكثرة وخاصة في دول العالم الثالث، بالرغم من المخاطر الكبيرة الناتجة عنها والتي تهدد صحة الإنسان والبيئة، وهي من الطرق الفعالة للتخلص من النفايات الطبية، خاصة في زمن فيروس كورونا (COVID-19)، حيث يمكن بها القضاء على جميع مسببات الأمراض ويقلل من وزن النفايات بأكثر من 60-75٪ بالوزن ويقلل الحجم وفقًا لذلك.

ولكن هذه المزايا الجيدة تترافق مع إنتاج كميات كبيرة من المعادن الثقيلة والمواد المتفاعلة والسامة، كالإبخرة المتصاعدة إلى السحب من مداخن المحارق محملة بالمواد الكيميائية السامة جدا مثل أكاسيد الكربون وأكاسيد الكبريت وكلوريدات وأبخرة المركبات العضوية للهالوجينات أو الهيدروكربونات بالإضافة إلى الديوكسينات والفيورانات التي يزيد تركيزها مع زيادة نسبة البلاستيك المحروق وخاصة PVC، معرضة المجتمعات المحيطة القريبة والبعيدة لخطر تلك الأبخرة، أو الرماد الناتج عن الحرق والتي تحتوي على مواد شديدة الخطورة متبقية فيها والتي يتم رميها في المكبات المفتوحة بدون معالجة فيتسبب ذلك في تلوث التربة والمياه الجوفية والسطحية والهواء نتيجة رمادها الخفيف المتطاير.

دراسة حديثه أجراها الباحث العراقي ساري جابر وأخرون (Jaber S et al., 2021) بكلية الهندسة الميكانيكية بجامعة البولوتكنيك، ببوخارست، المجر، ناقشت خطورة محارق النفايات الطبية، والذي قام بدراسة عملية التخلص النهائي من النفايات الطبية بواسطة المحارق في ثلاث مستشفيات بمدينة بغداد العراقية، وهي الطريقة الأكثر شيوعاً للتخلص النهائي من المخلفات الطبية في المستشفيات العراقية.  حيث قام الباحث بإجراء تحاليل للرماد الناتج من تلك العمليات لمعرفة التركيزات العالية من المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الأخرى، وهل هي تقع ضمن التركيزات المسموح بها في الدولة العراقية؟.

تبلغ الكمية السنوية لجمع النفايات الطبية من 294 مؤسسة صحية بمدينة بغداد ما يقارب 1902 طن، حيث أن غالبية المستشفيات بالمدينة تعتمد على عملية الحرق بواسطة المحارق للتخلص النهائي من النفايات الطبية، والتي يتم نقلها إلى المحارق الموجودة بداخل المستشفيات بدون إجرا عمليات فرز، وتختلف أحجام المحارق وسعتها وتتراوح درجة الحرارة ما بين 400 و 1000 درجة مئوية، أما الرماد المتبقي فيتم نقله مباشرة بدون معالجة إلى المكبات العامة للبلدية.

في هذه التجربة، قام الباحث بإجراء عمليات الحرق النفايات كما كانت تعمل وحسب الروتين المتبع وحسب وصولها من المستشفى، وكانت التجربة تجرى في كل مستشفى ومحرقتها على حدة، بحيث استخدم 30 كجم من النفايات الطبية في كل عملية حرق، تم في اليوم التالي يتم جمع الرماد المتبقي ويجري سلسلة من التحاليل الكيميائي عن نسبة المعادن الثقيلة والمركبات الأخرى.

سمية رماد محارق النفايات الطبية
الباحث وهو يقوم بوضع النفايات الطبية في المحرقة.

أعطت نتائج تحليل الرماد أن نسب المعادن الثقيلة وكمية المواد الأخرى عالية في غالبية المعادن. فوجد نسب عالية من الزئبق والفضة والزنك والحديد والنحاس ومركبات أخرى تفوق النسب المسموح بها في الدولة (كما في الجدول المرفق). وحيث أن الرماد الخطير لتلك المحارق لا يتم معالجته بعد جمعه بل يتم التخلص منه بواسطة رميه في المكب البلدية العام وليس في مناطق معينة لهذا الغرض مما يتسبب في انتشاره في الهواء وخاصة الرماد المتطاير (Fly Ash) خفيف الوزن فيسبب أمراض خطيرة في الجهاز التنفسي في حالة استنشاقه من قبل القاطنين قرب تلك المكبات.

سمية رماد محارق النفايات الطبية
رماد جمع من المحرقة بعد يوم من حرقه لإجراء التحاليل الكيميائية للعناصر الثقيلة.

كما يشكل تغلغل المعادن الثقيلة السامة (الزنك ، والكادميوم ، والنيكل ، والرصاص ، والزئبق ، والمنغنيز ، إلخ)  المتواجدة بالرماد القاع (Bottom Ash) في تربة مدافن النفايات خطرًا كبيرًا على التربة، ومنها قد تصل إلى المياه الجوفية، ومنها إلى مياه الشرب فيتم استهلاكها من قبل الإنسان والحيوان أو يتم ري المحاصيل الزراعية بها.

سمية رماد محارق النفايات الطبية
جدول يظهر تراكيز العناصر الثقيلة في رماد محارق النفايات الطبية مقارنة بالكميات التراكيز المسموح بها في العراق (المرجع )
سمية رماد محارق النفايات الطبية
رماد المحرقة: الرماد المتطاير ورماد القاع

لهذا السبب، قد وصى الباحث في نهاية دراسته وفي حالة استمرار استعمال المحارق أنه من الضروري تحديد المناطق المخصصة لدفن رماد محارق النفايات الطبية والتي تختلف عن تلك المستخدمة للنفايات البلدية ويتم تجهيزها بالشكل الصحيح، مناطق لا يمكن للمواد السامة الموجودة بالرماد الوصول للمياه الجوفية أو السطحية، أو وضع الرماد في أوعية خاصة قبل دفنها، أو ربما خلط الرماد المحتوي على المعادن الثقيلة بالطوب والإسمنت واستعماله في عمليات البناء للحد من خطورته، وكنوع من عملية التثبيت.

هذه الدراسة العلمية من ضمن الدراسات الكثيرة التي أثبتت بدون أي شك خطورة التخلص النهائي من النفايات عبر المحارق وما ينتج عنه من أضرار صحية وبيئية. لهذا ننصح دائما المستشفيات والمرافق الصحية التوجه للطرق الحديثة والصديقة للبيئة في معالجة النفايات الطبية، والتي نذكر منها طرق التعقيم والتقطيع (الأوتوكليف)، الميكروويف وغيرها.

Reference: Sari Jaber, Alaa Aldin Aljawad, Tudor Prisecaru and Elena Pop (2021). The environmental situation of the ash medical waste in Baghdad city, Iraq. E3S Web of Conferences 286, 02017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *