Skip to main content

الأسباب في عدم وجود منظومة سليمة للتعامل والتخلص من المخلفات الطبية في بعض دول العالم

داخل المؤسسات والمرافق الصحية وخلال العناية بالمرضى النازلين بأقسام الإيواء والمرضى المترددين على العيادات الخارجية ينتج عن كل ذلك يومياً كميات كبيرة جدا من القمامة تحتوي على المخلفات الطبية.

كالإبر والحقن والقطن والشاش وبقايا العينات الملوثة بسوائل ودماء المرضى ومخلفات صيدلانية وكيماوية وأحيانا مخلفات مشعة ومخلفات العمليات من أعضاء بشرية وغيرها بنسبة 20 % ، أما الباقي 80 % فهو عبارة عن نفايات وقمامة عامة من بقايا أكل وأطعمة وعلب وورق وغيره ناتجة من المرضى والطاقم الطبي والعاملين بالمرفق الصحي.
بما أن تلك المخلفات مصدرها المريض فهي قد تحتوي على مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، الأمر الذي دعا العديد من الدول والمنظمات العالمية خلال العقدين الأخرين إلى الاهتمام بهذه المشكلة بعدما أثبتت بعض الدراسات والبحوث مسؤولية هذا النوع من المخلفات في أحداث أمراض وأوبئة فتاكة وسريعة الانتشار. والمعروف عن هذا النوع من المخلفات أنه أكثر خطورة من أي نوع أخر من المخلفات لما قد تسببه من أضرار للأفراد والبيئة بصفة عامة.

من تلك المنظمات التي قامت بمجهود عظيم في هذا المجال منظمة الصحة العالمية حيث قامت بتخصيص موقع خاص بالشبكة العالمية الانترنت (Healthcare waste management) حول المخلفات الطبية من حيت أنواعها، جمعها، نقلها وطرق التخلص منها دون تدمير وتلويث البيئة المحيطة للمرفق الصحي، وموقع أخر لمأمونية وسلامة الحقن بالإبر (Safe Injection Global Network) عند التعامل مع المرضى أو في حملات التطعيم مع الإشارة إلى الطرق السليمة للتخلص منها ، أيضاً توجد عدة منظمات عالمية مستقلة أخرى وفي مختلف دول العالم تدعو الدول والمسوؤلين في الصحة بها إلى اتخاذ إجراءات صارمة عند التعامل مع المخلفات الطبية منها على سبيل المثال منظمة (Health care without harm) والتي تدعو إلى العناية الطبية بدون أضرار صحية للبيئة والأفراد.

مجهود عالمي كبير لاحتواء المشكلة ولكن ما نراه اليوم في العديد من المرافق والمؤسسات الصحية من اللا مبالاة والإهمال عند التعامل مع المخلفات الطبية من قبل العاملين بمختلف شرائحهم من أطباء وطاقم تمريض وفنيين وإداريين يدعو إلى القلق الكبير بشأن هذه المشكلة، فتلاحظ ببعض المرافق كميات كبيرة من النفايات الطبية على أعتاب الأبواب مرمية على الأرض ولعدة أيام متراكمة على بعضها عرضة للمارة والزائرين والعاملين معرضة حياتهم لخطر الأمراض المعدية بسبب انتقال مسببات المرض من جراثيم عن طريق نواقل مرئية مثل الحشرات (الذباب، البعوض، الصراصير) والحيوانات (القطط والكلاب) ونواقل مرض غير مرئية مثل الاستنشاق واللمس وغيرها.

ما نراه اليوم دليل ثابت في عدم وجود منظومة وطنية للتخلص من المخلفات الطبية، على الرغم من وجود محاولات فردية من بعض المرافق الصحية للتخلص من هذه المشكلة مثل لجوء البعض إلى حلول وقتية أثارها ضارة وسلبية على البيئة على المدى الطويل مثل عمل حفرة داخل فناء المرفق وحرق تلك النفايات بها، الأمر الذي قد يعرض المحيطين للأبخرة السامة المنبعثة منها، والمعروف عن المخلفات الطبية احتواءها على كميات كبيرة من البلاستك والمطهرات والمواد الكيماوية (مثلا ينتج من المركبات المحتوية على الكلور عند حرقها أبخرة سامة جدا بدون رائحة)، وضعية بعض المرافق أسوأ من الأخرى ويعتمد ذلك على الطاقم الإداري والميزانية المخصصة.
سيلوم معظمنا قلة الإمكانيات في ذلك ولكن ما السبب وراء ذلك؟ وسأشرح هنا وباختصار شديد العوامل والأسباب في عدم وجود منظومة سليمة للتعامل والتخلص من المخلفات الطبية.

أولا الأساسيات: (1) عدم الإدراك بالمخاطر الصحية للمخلفات الطبية لدى الأفراد بصفة عامة ولدى صانعي القرار بصفة خاصة، فجهل الأفراد سواء العاملين بالصحة أو المحيطين لخطورة تلك النفايات من حيث أنواع الأوبئة والأمراض والجراثيم التي قد تنقلها للأصحاء وما ينتج عن ذلك من خسائر في الأرواح والخسائر المالية والخسائر في الوقت نحن في أمس الحاجة إليه . فلو وقفنا قليلاً وفكرنا في إبرة واحدة فقط ملوثة مثلاً بدم مريض يعاني من التهابات تليف الكبد الفيروسية، لو وضعنا تلك الإبرة داخل حاوية بلاستكية وتخلصنا منها عن طريق المحرقة لن تكلفنا الكثير ولكن لو وخزت هذه الإبرة بالخطاء أحد العاملين فنكون قد خسرنا شخص مؤهل له وظيفة ولو حسبنا ما يمر به هذا العامل من الآلام النفسية والجسدية والخسارة المادية له ولأسرته والمجتمع ككل هنا نلحظ حجم الخسارة التي منينا بها.
عدم الإدراك بتلك المخاطر ينتج عنه (2) عدم وجود التزام عام بمخاطر تلك النفايات ومن مسببات ذلك (3) عدم وجود أدلة ومعلومات لدى بعض المسؤولين عن مخاطر المخلفات الطبية، كل ما سبق سبب في (4) ضعف الميزانية المخصصة لتخلص من النفايات، فتأتي الأوليات عادة لدى المسؤلين بالمرفق في ما قبل وأثناء العناية بالمريض وما ينتج عن ذلك بعد العناية فلا أحد يهتم.

ثانيا وجود متطلبات غير ملائمة : منها (1) عدم وجود لوائح وقوانين صارمة وكافية بخصوص المخلفات الطبية، والمقصود هنا وبواسطة القانون يتم تعريف وتحديد أنواع المخلفات الطبية والمسؤولية القانونية عن جمع ونقل والتخلص من تلك النفايات حتى يتم معرفة الاختراقات والمخالفات والمسؤول عنها، وعدم تطبيق هذه النقطة ينتج عنه (2) عدم الإحساس بالمسؤولية من مسيري المرافق الصحية المنتجة لتلك النفايات لعدم وجود عقاب في حالة حدوث تجاوزات والإخلال باللوائح. ونتيجة وجود (3) مخصصات غير كافية، ووجود (4) صعوبة في الحصول على المعلومات منها على سبيل المثال معلومات عن الأماكن المنتجة للمخلفات الطبية داخل المدينة، والكميات المنتجة وأنواعها وطرق الجمع والنقل والطرق المتاحة للتخلص ومعالجة تلك النفايات. أيضاً لا ننسى كذلك (5) عدم وجود طرق آمنة ورخيصة للتخلص من النفايات الطبية حتى الآن، كل الطرق التي تتم بها المعالجة والتخلص من النفايات تعتبر مُكلفة إذا نظرنا بعين الاعتبار إلى الجانب البيئي، فمثلاً للتخلص من النفايات بواسطة المحارق نحتاج إلى نوعيات ومواصفات وتقنيات خاصة لكل نوع من المخلفات حتى لا نضر بالبيئة المحيطة فمحارق المخلفات الصيدلانية تختلف عن محارق الأعضاء البشرية مثل المشيمة وغيرها، وإذا نظرنا إلى الطرق الأخرى مثل التعقيم البخاري أو الكيماوي أو الإشعاعي فلكل نوع من هذه الطرق مضاره ومحاسنه، فكل الطرق الآمنة للبيئة مُكلفة جداً، وهذا يدعونا للتعامل مع المخلفات الطبية والتخلص منه على أنه شيء مُكلف جدا إذا أردنا حماية بيئتنا.

ثالثاً النتائج الحتمية: مع ذكر ما سبق من الأساسيات والمتطلبات الغير الملائمة ينتج من كل ذلك شيئان هما (1) وجود منظومة ناقصة للتخلص من النفايات الطبية تسبب بالتالي في عدم التعامل السليم مع المخلفات الطبية ووجود سلوكيات وتصرفات خطاء منها إزالة تلك النفايات بطرق عشوائية وغير صحية فتسبب في حوادث وأضرار التعرض للمواد الكيماوية والدوائية السامة، وعجز المنظومة يؤدي إلى (2) حماية ناقصة للعاملين في مجال الصحة فتزداد حالات الإصابة بالأمراض المعدية، وعجز المنظومة يؤدي كذلك إلى تفشي ظاهرة أعادة استخدام بعض النفايات الطبية كالحقن ذات الاستخدام الواحد من قبل مدمني المخدرات لسهولة الوصول لمطلبهم، وأخيرا لا قدر الله انتشار الأمراض والأوبئة للعاملين وهم أول من يتأثر ثم الأفراد والبيئة المحيطة، فالدعوة ملحة للاهتمام والسعي في تكوين منظومة صحية سليمة للتخلص من النفايات الطبية مع العلم انه توجد تجارب عالمية ناجحة في هذا المجال يمكن لنا الاستفادة منها وتطبيقها لو توفرت الرغبة الأكيدة في ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *