الحركة التجارية للمنتجات الغذائية بين دول العالم وانتشار الأمراض المعدية
كانت التجارة ولا تزال أحدى طرق نقل نواقل الأمراض المعدية والأوبئة الفتاكة، ففي القرن الرابع عشر اجتاح أوروبا وباء الطاعون الأسود (Bubonic plague) والذي فتك بربع سكان أوروبا حينها وكان السبب هو وجود براغيث (fleas) محملة بالميكروبات المرض عالقة في الفرو المستجلب للبيع من مناطق في الصين إجتاحها وباء الطاعون الذي ضرب وسط آسيا.
بصفة عامة كان الغذاء في الماضي ينتج ويستهلك محلي ولكن خلال العقود الماضية أختلف الأمر ففي أحيان كثيرة ينتج في بلد ويصنع أو يستهلك في بلد أخر. وبائية الأمراض المنقولة بالغذاء أختلفت جدا خلال العقد الأخير بسبب برنامج العولمة في أنتاج الغذاء وتصنيعه، هذا الأمر ساهم في أستحداث منظمة التجارة العالمية (the World Trade Organization) للسعي لتنظيم أنتاج الغذاء وتصنيعه بين الدول والتحكم في كل مراحل توزيغ الغذاء وأستهلاكه. فالتوزيع العالمي للغذاء أو العولمة المتسارعة في إنتاج الطعام وتجارته سبب في أنتشار الأمراض المعوية المعدية مثل عصيات السلمونيلا والأشرشية القالونية (0157:H7)، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يتم إستيراد 20% من الخضار الطازجة و 50% من الفواكه وأكثر من 80% من الأسماك وغلال البحر. فالدول الغنية تحتاج المنتجات الغذائية على طول العام وتستوردها من الدول خارج حدودها وعادة تكون الدول المنتجة دول فقيرة وهذا معناه أن تلك المنتجات ربما تتلوث خلال الحصاد أو الجمع أو التخزين أو التعليب والنقل قبل أن تصل للمستهلك في أسواق الدول الغنية. بعض صور تفشي الأمراض المنتقلة عن طريق الأغذية، والتي كان يتم احتوائها داخل مجتمع صغير، قد تحدث الآن عبر مجتمعات أوسع نطاقاً أو على أبعادٍ عالمية من الصعب التحكم بها.
العديد من التقارير الدولية تكلمت عن زيادة معدلات الإصابة بالأمراض المنتقلة عن طريق الأغذية في العالم والتي تعتبر من الصعوبة الكبيرة في تحديدها بدقة بسبب العديد من العوامل المؤترة في ذلك كعدم التبليغ عن حالات التسمم والأمراض والوفيات في المستشفيات لإنعدام وجود آلية سليمة لتبليغ عن الإصابات في العديد من الدول ، أو بسبب سوء التشخيص الطبي لمعرفة الأسباب وراء حدوث تفشي أمراض وتحديد المصدر الملوث والعديد من العوامل الأخرى. إلا أن بعض التقارير أفادت أنه في عام 2000 لوحدها توفى نحو 2.1 مليون شخص من جراء الإصابة بأمراضٍ الأسهال المعوي. وتعزو الإصابة بالعديد من تلك الأمراض إلى تلوث مياه الشرب والغذاء كذلك.
أفادت التقارير أن نحو 30% من إجمالي السكان بالدول الصناعية نفسها يعانون من عدوى الإصابة بالأمراض المنتقلة عن طريق الأغذية سنوياً. حيث قُدِر معدل الإصابة بعدوى الأمراض المنتقلة عن طريق الأغذية بنحو 76 مليون حالةً سنوياً، يتلقى العلاج منهم في المستشفيات نحو 325.000 حالةً، بالإضافة إلى نحو 5.000 حالة وفاةٍ. إلا أن الدول النامية على الأخص تعاني بصورةٍ أسوء من مخاطر التعرض للأمراض المنتقلة عن طريق الأغذية بسبب الانتشار واسع المدى للأمراض ومنها تلك المتسبب فيها الطفيليات.
من الصعب تحديد معدالات الإصابة بالأمراض المنتقلة عن طريق الأغذية في العالم بسبب عدم وجود آلية سليمة لتبليغ عن الإصابات وبسبب سوء التشخيص الطبي في العديد من الدول العالم.
مختلف أنواع الأغذية قد تلحق أذي خطيرا وشديدا في المجتمعات ففي سنة 1994 تفشت عدوى عصيات السالمونيلا بسبب المثلجات الملوثة بالولايات المتحدة الأمريكية مما أسفر عن إصاية أكثر 224 ألف شخص بالعدوي، وفي الصين سنة 1998 كانت بسبب أستهلاك وتناول الرخويات البحرية الملوثة حيث إصيب قرابة 300 ألف شخص، وفي أبردين في أسكتلندا عام 1964 تفشت عدوى واسعة النطاق بعصية التيفود وأصابة أكثر من 400 شخص، وكان هذا بسبب اللحوم المحفوظة الملوثة والتي تم استيرادها من الأرجنتين. وفي عام 1996 أعلن عن وفاة 17 الشخص في بريطانيا بسبب تناولهم أغذية ملوثة ببكتيريا القالونية (E. coli 0157). كل هذه الفاشيات والأضرار الصحية الناتجة عنها تسبب في أضرار إقتصادية وخسائر مالية ضخمة للدول التي تجتاحها. لهذا وجب التنسيق الدولي بين سلطات سلامة الأغذية عبر أرجاء العالم للحد والتقليل من حدوث الأمراض والأوبية التي قد تنشى بسبب تجارة الأغذية لأنها أصبحت مشكلة عالمية وليست محلية.
سهولة حركة المنتجات الغذائية بين الدول جعلت الجميع يتسأل أيضا حول أنتشار ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية في العالم التي أصبحت شائعة خلال العقود الماضية بسبب تناول منتجات اللحوم وغيرها من حيوانات ودواجن أعطيت لها المضادات الحيوية خلال تربيتها.
وليس الغذاء فقط هو مصدر أنتشار العدوي عالمياً، ففي سنة 1999 أنتشر في جزيرة فانكوفر بكلومبيا البريطانية في كندا فطر (Cryptococcus gattii) مسبباً إصابات وبائية في الإنسان والحيوان ووفيات بينهم وتوسعت دائرة أنتشاره إلى شمال الغربي للولايات المتحدة مسبباً عدوى قاتلة في الرئة والدماغ، وهذا المرض كان فقط موجود في المناطق ذات المناخ الأستوائي والشبه الأستوائي بمناطق في أفريقيا وأستراليا وجنوب شرق أسيا. مصدر العدوى حتى الأن مجهول ولكن بعض البحاث أقترحوا أن الفطر قد يكون نقل عبر الأشجار الملوثة والأحذية وعوارض الخشب لنقل البضائع أو حاويات النقل في السفن.
أن الدول النامية على الأخص تعاني بصورةٍ أسوء من مخاطر التعرض للأمراض المنتقلة عن طريق الأغذية بسبب الانتشار واسع المدى للأمراض ومنها تلك المتسبب فيها الطفيليات بسبب ضعف إجراءات الوقاية والسلامة.
References:
Stacey Knobler, Adel Mahmoud, Stanley Lemon. (2006). The Impact of Globalization on Infectious Disease Emergence and Control: Exploring the Consequences and Opportunities (Workshop Summary) (2006). Forum on Microbial Threat s. the National Academies Press. Washington, D.C.
Globalization and disease, Wikipedia, the free encyclopedia.
Madeline Drexler (2011). What You Need to Know About Infectious Disease. the Institute of Medicine and the National Academies, Office of Communications. the National Academy of Sciences.
Lance Saker, Kelley Lee, Barbara Gilmore and Diarmid Campbell- Lendrum. (2004). Globalization and Infectious disease: A review of the Linkage. UNICEF/UNDP/World Bank/WHO, Special Programme for Research and Training in Tropical Diseases (TDR). Geneva, Switzerland.
WHO. Food safety Fact sheet, Reviewed October 2017, http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs399/en/
Food safety, Wikipedia, the free encyclopedia.
عوامل جديدة أخرى أثرت في علاقتنا بالميكروبات الممرضة:
في سلسلة من المقالات التالية سأناقش بعون الله العوامل الجديدة الأخرى التي ظهرت على السطح ولم تكن موجودة في الماضي وكان لها اُثر الأكبر في زيادة الأحتكاك بين الإنسان والميكروبات الممرضة وبالتالي في أنتشار العديد من الأمراض الوبائية في مناطق وبلدان جديدة لم تكن تحدث بها تلك الأمراض في السابق. عناوين هذه المقالات مدروجة تحت وسيكون عرضها في الموقع في مدد زمنية متفاوتة من أسبوعين إلى أربعة أسابيع:
- العولمة والميكروبات الممرضة.
- العالم القرية الصغيرة.
- تأثير النزوح والهجرات البشرية والصراعات المسلحة والحروب الأهلية في انتشار الميكروبات الممرضة.
- الحركة التجارية للمنتجات الغذائية بين دول العالم وانتشار الأمراض المعدية.
- تغير المناخ العالمي وعلاقته بالميكروبات الممرضة.
- الإضطربات في النظم الإيكولوجية وعلاقتها بالميكروبات الممرضة.
- الفقر وسوء الحالة الإقتصادية وعلاقتها بالميكروبات الممرضة.
- حدوث الطفرات الجينية والميكروبات الممرضة.
اترك تعليقاً