كنت لا اريد أن أكتب على هذا الموقف الذي حدث لأحد طلابي في مرحلة الماجستير في قسم العلوم التطبيقية والهندسية/ شعبة علوم البيئة، كان الطالب سيجري دراسة في أكاديمية الدراسات العليا في جنزور، حيث أكمل الطالب كل متطلبات المواد الدراسية للدخول في الجزء الأخير من دراسته وهو إجراء بحث تطبيقي في أحدى المجالات التي لها علاقة بالبيئة، أي دراسة مشكلة من المشاكل البيئية التي يعاني منها مجتمعنا.
الطالب كان معيد بكلية التقنية الطبية جامعة طرابلس وإنسان مؤدب جدا، تحصل علي معيد بفضل تقديراته ونتائجه العالية خلال دراسته بالقسم الصحة العامة، وكان مشهود له بالعمل والمثابرة في تأدية الواجب المناط عليه في الكلية، لهذا أكتسب أحترام أساتذته في القسم وزملائه. أتصل بي وطلب مني الأشراف على رسالته فقبلت وناقشنا الدراسة التي سأشرف عليها، ونظراء لأهتمامي الكبير بمشكلة إدارة النفايات الطبية في ليبيا، أخترنا مشكلة جديدة أصبحت تظهر على السطح بشكل كبير وهي أنتشار واسع لمراكز الحجامة والرقية الشرعية في كل شوارع مدينة طرابلس بدون أي قيود وأشتراطات صحية أو هندسية أو بيئية من قبل الجهات الدولة ذات الأختصاص.
نعم بالرغم من أنتشار تلك المراكز وزيادة أعدادها بشكل كبير ملفت للنظر نتيجة زيادة الرغبة لدى المواطنين في عمليات الحجامة والمكاسب المالية التي تجنيها المراكز إلا أن إلى وقتنا الحالي لا توجد أي إجراءات تنظيمية أو لوائح بيئية من شأنها المساهمة في تنظم تلك المراكز وتوجيهاها لما فيه صالح المجتمع. فغالبية تلك المراكز تعمل منذ سنوات بدون أذون مزاولة وكذلك الأشخاص العاملين بها بدون مؤهلات صحية إلا في بعض المراكز القليلة.
تلك المراكز تقوم بإجراء الحجامة للرجال والنساء بأعداد كبيرة فينتج عن ذلك كميات كبيرة من النفايات الطبية على شكل أكواب زجاجية (الفازوات) وشاش وقطن ومشارط حادة ملوثة بدماء المرضى وخاصة عند ممارسة الحجامة النوع الثاني وهي الحجامة الرطبة بعد عمل خدوش سطحية على الجلد. وللأسف غالبية من يقومون بتلك الأعمال ليست لديهم أي دراية وتدريب طبي يمكنهم من التعامل مع سوائل المرضى المعدية مثل الدماء وغيرها، كما أنهم ليسوا ملمين بطرق مكافحة العدوى في المراكز الصحية، غالبيتهم شيوخ أو رجال دين يقومون بالحجامة كجزء من تطبيقات السنة النبوية، غالبيتهم تعلمها من أخرين بالممارسة والتدريب وليست في مراكز صحية تدريبية معتمدة من الدولة.
بصفة عامة، تختلف الطرق التي يتعامل معها العاملين والمسئولين في مراكز الحجامة والرقية الشرعية بالنفايات الطبية الناتجة من المرضى المترددين عليهم، وهي كالأتي:
الطريقة الأولى: البعض منهم يجمع تلك النفايات مثل الأكواب الزجاجية وشاش ومشارط الملوثة وغيرها في أكياس سوداء ويتم رميها مع القمامة العامة للبلدية أمام مراكزهم كالنفايات المنزلية، ويتم نقلها بواسطة سيارات القمامة الكابسة التابعة للبلدية مما يسبب تكسير تلك الأكواب الزجاجية وأختلاطها بالنفايات المنزلية الأخرى فتزيد من خطورتها على عمال المناولة في ساحات التجميع النفايات المرحلي أو المكبات العامة، أو يتم تجميعها في سيارات الشحن نقل القمامة المفتوحة التابعة للشركات النظافة الخاصة.
الطريقة الثانية: أما البعض الأخر، فيقومون بتجميع تلك الأكواب الزجاجية والقطن والشاش والمسحات في أكياس سوداء وتعطى للمريض لكي يتخلص منها المريض بطريقته (بمعرفته)، فيكون قد نقل عباء التخلص من تلك النفايات البيولوجية الحادة المعدية عن عاتقه ويرميها على عاتق المريض، وإذا ما نظرنا هنا، فأن غالبية المرضى المترددين على تلك المراكز هم رجال ونساء من كبار السن من ليست لديهم دراية في كيفية التعامل مع تلك النفايات البيولوجية الخطيرة فيتخلصون منها في أقرب مكان يجدونه بدون معالجة، وربما البعض منهم يقومون بردم تلك الأكواب الزجاجية معرض نفسه والأخرين خلال عملية التخلص للتلوث بمحتوياتها.
الطريقة الثالثة: أما البعض من المراكز، وفي أحسن الأحوال يقومون بالتعاقد مع شركة خاصة لتنقل النفايات الطبية من مراكزهم لمعالجتها، وهذه المراكز تعتبر قلة من أجمالي عدد المراكز العاملة بمدينة طرابلس لأن عملية الجمع والتخلص من نفاياتهم بواسطة الشركة الخاصة تكلف أموال إضافية، وهناك الكثير من لا يرضى بتخصيص أموال للتخلص من النفايات فهي ليست من الأوليات والأشياء المهمة كما يعتقدون.
تعريف النفايات الطبية في مراكز الحجامة الوارد في اللائحة التنظيمية التي أصدرها المركز الوطني للطب البديل والتكميلي في السعودية سنة 2015 تحت عنوان ضوابط تنظيم ممارسة الحجامة للأفراد والمؤسسات جاء فيها:
النفايات الطبية: هي جميع المخلفات الصلبة أو السائلة المفرَزة من عيادة الحجامة، والمشتملة على بقايا أو أجزاء بشرية أو حيوانية، أو سوائل الجسم بما في ذلك الدم ومشتقاته والإفرازات البشرية والملابس الملوثة والقفازات و المسحات و المحاقن والأدوات الحادة المستخدمة الملوثة والأدوية التالفة منتهية الصلاحية، والمواد الكيماوية، والمواد المشعة الخطرة على الصحة ما لم تكن مصنفة خلاف ذلك.
المهم، نرجع لقصتنا، قدم الطالب المقترح لدراسته حول “إدارة النفايات الطبية في مراكز الحجامة بمدينة طرابلس” في عرض مرئي (باوربوينت) حضره رئيس القسم وزميل له وبعض طلاب الدراسات العليا أخرين لديهم مقترحات لأبحاث سيجرونها، لم أتمكن من الحضور العرض شخصياً بسبب ألتزامات مسبقة منعتني من ذلك. تم بداء عرض الطالب فكانت المفاجئة الكبيرة عندما قال رئيس القسم بأن هذه الدراسة ليست لها علاقة بالبيئة ولا تعتبر مشكلة بيئية، وحدت نقاش حينها ولم يستطيع الطالب حتى من أكمال عرض مقترح البحث، حتى أن أحد الحاضرين (كان عضو هيئة تدريس بالقسم كما أخبرني الطالب) قام بنوع من الأستهزاء على الطالب وقال له بأنك تريد الحصول على ماجستير في الحجامة، الأمر الذي أثر في نفسية الطالب كثيرا واشعره بالأحباط الشديد.
نعم ترددت كثيرا في كتابة هذا الموقف، ولكن كان من الواجب علي كتابة هذه الكلمات لتوضيح بعض النقاط، بحيث اريد أن تصل للزملاء بهذه المؤسسة العلمية التي ساهمت منذ تأسيسها في تخريج العديد من الكوادر كان لهم تأثير رائع في مجال البحث العلمي في بلادنا. لا اريد بمقالتي أن أهين أحد هنا، لا سمح الله، أو أن أنقص من قدر أحد، والله من وراء القصد، فقد تعاونت لسنوات طويلة في هذا القسم، ومعظم من تولى رئاسة هذا القسم كانوا زملاء رائعين وأصدقاء وعلماء بيئة أعتز بمعرفتهم، جمعتني بهم العديد من الأنشطة البيئية واللجان العلمية والدراسات البحثية وشاركنا مع غالبيتهم في مؤتمرات بيئية محترمة.
وفي الختام، ما ارجوه وأتمناه في هذه المقالة، أن يكون لدينا صدر رحب لتقبل الأخطاء من الطلاب وهذا هو عملنا الأساسي كأعضاء هيئة التدريس في الجامعات والأكاديميات العلمية، والإنسان مهما زاد في العمر فهو لا يزال يتعلم. وأخر كلمة أريد أن أقولها ” نعم مشكلة التخلص من النفايات الطبية في مراكز الحجامة في مدينة طرابلس هي مشكلة بيئية بأمتياز” نعاني منها كما نعاني من مشكلة تراكم النفايات المنزلية في شوارعنا كل يوم، وكما نعاني من مشكلة تراكم النفايات الطبية في العديد من المراكز الطبية الصحية حتى وقت كتابة هذه المقالة. وسأسعى أنا شخصياً كباحث وناشط بيئي إلى حث الزملاء بالهيئة العامة للبيئة لوضع أشتراطات ولوائح قانونية تنظم هذا العمل الجليل أسوة بالدول العربية الشقيقة التي قامت وكانت سباقة في ذلك، وأفضل مثال على هذه الاشتراطات التنظيمية حرصا على الصحة العامة ما صدر عن المركز الوطني للطب البديل والتكميلي في المملكة العربية السعودية سنة 2015 تحت عنوان “ضوابط تنظيم ممارسة الحجامة للأفراد والمؤسسات” والذي جاء في سبعة عشر مادة وثلاث ملاحق غطت بالكامل كل ما يتعلق بممارسة الحجامة حتى المخالفات والعقوبات في حالة الأخلال بهذه الضوابط.
المراجع:
ضوابط تنظيم ممارسة الحجامة للأفراد والمؤسسات. المركز الوطني للطب البديل والتكميلي.وزارة الصحة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 2015 (www.nccam.gov.sa).
متطلبات الترخيص لعيادة حجامة. المركز الوطني للطب البديل والتكميلي. .وزارة الصحة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 2015 (www.nccam.gov.sa).
السلام عليكم ورحمة الله
موضوع ذو قيمة عالية إذ تمس هذه المشكلة الجميع من أصحاب المراكز والمرضة وغيرهم
لكن ما الحلول وكيفية الوصول للشركات المذكورة كل هذه تساؤلات كان يجب تضمينها في المقال كما أنه كان يجب ذكر اسم الباحث الذي اعد هذه الدراسة فلعل لديه ما يفيد به من حلول بخصوص هذا الموضوع
وأيضن كان يجب وضع قائمة بالفيروسات التي تنتقل والتأكيد عليها لأن هناك أبحاث أخرى تبين أن الذباب والباعوض لا ينقل من الفيروسات إلا أنواع معينة ليس من بينها HB المذكور في المقال إذ حتى وإن كان موجود في دم المصاب الموجود في المخلفات الطبية فإنه لا ينتقل بالذباب لأن الذباب ينقل عدد غير كافي من الفيروسات لإنتقال المرض والأمر نفسه مع الباعوض وفايرس نقص المناعة الأيدز فالباعوضة كذلك لا تستطيع أن تنقل هذا الفايرس
أرجو نشر مقال آخر يغطي التساؤلات المذكورة أعلاه وذلك للأهمية
شكرا جزيلا استاذ ناصر، يعتبر التخلص من النفايات الطبية في مراكز الحجامة مشكلة صحية كبيرة بسبب عدم التعامل السليم مع تلك النفايات من حيث الجمع والنقل والتخلص. بسبب عدم دراية المعالجين بججم المشكلة ايصا انعدام وجود لوائح وقوانين تنظم هذه الخذمات الصحية في غالبية الدول العربية.